الأوّل يلزم التكليف بما لا يطاق ، وعلى الثاني خروج الواجب عن وجوبه ، والغرض أنّ وجوب المقدّمة شرعا إنّما هو في صورة كونها مقدورة ، ومع عدم كونها مقدورة لا يتعلّق بها وجوب ، فيلزم أحد الأمرين (١).
فإن قيل في الجواب هنا : قد يتحقّق وجوب الفعل عند عدم مقدّمته ، وليس وجوبه بأن يؤدّى في هذه الحال ، بل عند وجود مقدّمته.
نقول هناك : إذا لم يناف وجوب الفعل عدم وجود ما يتوقّف عليه ، فلا ينافي وجوبه عدم وجوب ما يتوقّف عليه أيضا بطريق أولى.
والحقّ أنّ هذا النقض غير لازم ؛ لأنّه في حال عدم المقدّمة يمكن أن يقال : يسقط الوجوب عن الفعل ؛ لأنّ عدم ما يتوقّف عليه الشيء مستلزم لعدم هذا الشيء ، ووجوب الفعل عند عدم مقدّمته غير مسلّم ، بل هو في هذه الحال يصدق عليه أنّه بحيث يصير واجبا عند وجود مقدّمته ، فليس وجوبه حاليّا ، بل استقباليّا.
واحتجّ المانع مطلقا بوجوه ضعيفة :
منها : أنّه لو وجب مقدّمة الواجب لزم صحّة شبهة الكعبي (٢).
وقد عرفت جوابها (٣) من غير احتياج إلى منع وجوب مقدّمة الواجب.
ومنها : أنّه قد يأمر أحد غيره بفعل مع غفلة الآمر عمّا يتوقّف عليه هذا الفعل ، فالأمر بفعل إذا لم يستلزم تصوّر ما يتوقّف عليه ، فكيف يدلّ على إيجابه؟! (٤)
والجواب : أنّ العلم بلوازم الأفعال غير لازم ، فيمكن أن يكون شيء لازما لأفعالنا مع عدم علمنا به ، مع أنّ هذا يجري فيمن يجوز عليه الغفلة ، وفيما نحن فيه ليس كذلك ؛ لأنّ الآمر هو الشارع للأحكام ، ولا يجوز عليه الغفلة (٥).
__________________
(١) راجع معالم الدين : ٦١ ، والوافية : ٢٢١.
(٢) وهي إنكار المباح ، راجع ص ١٢١.
(٣) تقدّم في ص ١٢١ ـ ١٢٢.
(٤) راجع نهاية السؤل ١ : ١٩٧ و ١٩٨.
(٥) في « ب » : « غفلة ».