ومقدّمته لكونها وسيلة إليه تشتمل على تلك المصلحة بعينها ، فتكون واجبة. ولمّا فهم هذا الاشتمال من الأمر بذي المقدّمة ، فيكون الأمر بها تابعا له.
ومنها : أنّه قد ورد في بعض الآيات والأخبار المدح على فعل مقدّمة الواجب (١) ، وفي بعضها الذمّ على تركها ، وهذا مستلزم لوجوبها.
ومنها : أنّ السيّد إذا أمر عبده بفعل ، وكان قادرا على تحصيل مقدّمته ، فتركه واعتذر في ذلك بفقدها أو عدم وجوبها ، يذمّه العرف. ولا يخفى أنّ ذمّ العرف حقيقة على اعتذاره وإن توجّه على ترك أصل الفعل أيضا.
فاندفع ما قيل في الجواب : إنّ الذمّ يتوجّه على ترك الفعل ، لا على ترك مقدّمته (٢).
هذا ، واستدلّ عليه أيضا ؛ بأنّه لو لم يجب المقدّمة مع وجوب ذي المقدّمة ، يلزم التكليف بما لا يطاق ، ومع عدمه يلزم خروج الواجب المطلق عن وجوبه ، واللازمان باطلان (٣).
واجيب : بتسليم وجوبه ، وعدم لزوم التكليف بما لا يطاق ؛ فإنّ المحال وجوب الفعل عند عدم وجود مقدّمته ، لا عند عدم وجوبها ؛ فإنّ الإتيان بذي المقدّمة مع عدم وجودها محال ، فيلزم اللازم المذكور. وأمّا مع وجودها ، فيمكن الإتيان به وإن لم تكن واجبة. والمطلوب أنّ وجوبها حينئذ عقلي ، أي لا بدّ من فعلها ، وليس لها وجوب شرعي ، أي تعلّق خطاب الشرع بها بحيث لو تركت ترتّب عليها (٤) إثم على حدة. فهذا الدليل ممّا يثبت به الوجوب العقلي لا الشرعي (٥).
وقيل عليه أيضا : إنّه لو ورد ما ذكر ، يلزم وروده في صورة وجوب المقدّمة أيضا ؛ لأنّ وجوبها شرعا لا يستلزم وجودها عقلا. فإن عدمت ، فإمّا أن يبقى الفعل واجبا ، أو لا ، فعلى
__________________
(١) كآية ٦ من سورة المائدة (٥) : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... ) ، والأحاديث الآمرة بالصلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة ، فراجع الفقيه ١ : ٢٧٨ ، ح ٨٥٤ ، والصلاة في الثوبين عند اشتباه الطاهر بالنجس. فراجع : الفقيه ١ : ٢٤٩ ، ح ٧٥٦ ، وتهذيب الأحكام ٢ : ٢٢٥ ، ح ٨٨٧.
(٢) أجاب به القمّي في قوانين الاصول ١ : ١٠٥.
(٣) راجع معالم الدين : ٦٢.
(٤) أي على تركها.
(٥) راجع معالم الدين : ٦٢.