أمّا الأوّل ، فلأنّ الأمر بالإهراق في الرواية لا يستفاد منه سوى وجوب الاجتناب ، ودعوى استفادة الحكم الوضعي منه ممنوعة ، وحديث صحّة الوضوء ـ على تقدير الطهارة ـ في محلّه ، ولم يدلّ دليل على فساده ، فلا دلالة في الإهراق على النجاسة.
وأمّا الثاني ، فلأنّ الحكم بلزوم الاجتناب من الأطراف إنّما كان بواسطة الأدلّة الواقعية مع عدم أصل موضوعي يستعلم منه حال الموضوع كاستصحاب الطهارة ، أو طريق يتوصّل به إلى الواقع كالبيّنة والقرعة ونحوها ، وأمّا فيما كان هناك أصل موضوعي يعلم منه حال المشتبه ، فلا يجب الاجتناب كما في الملاقي فإنّ أصالة الطهارة واستصحابها جارية من غير أن يعارضها شيء ، ولا ضير في التمسّك بالأصل في قبال الأدلّة الواقعية لعدم منافاتها له فإنّها تحكم (١) بوجوب الاجتناب عن النجس ، ولا دخل لها في الموضوع ، والاستصحاب حاكم بأنّ هذا الموضوع ليس نجسا كالقرعة ، والبيّنة على ما عرفت ـ من أنّ أدلّة الطرق (٢) الظاهرية ـ لا تعارض (٣) الأدلّة الواقعية بل تؤكّدها (٤).
فإن قلت : إنّ أصالة طهارة الطرف الآخر كما يعارض أصالة الطهارة في نفس الملاقى كذا يعارضها (٥) في الملاقي أيضا ، فلا يجري استصحاب الطهارة ولا أصالة الطهارة.
قلت : قد قرّر في مقامه من أنّ الأصلين إذا تعارضا إنّما يحكم (٦) بتساقطهما ، ولا بدّ من الرجوع إلى أصل ثالث وإن كان الأصل الثالث ممّا لا يجري عند جريان الأصلين
__________________
(١) في النسخ : يحكم.
(٢) المثبت من « س » و « خ ل » بهامش « م » وفي « م ، ج » : الطريق.
(٣) في النسخ : يعارض.
(٤) في النسخ : يؤكّدها.
(٥) « م » : يعارض بها.
(٦) « س » : نحكم.