فمنها : أنّا بعد ما وجدنا وثاقة رواة الأخبار واجتهادهم في تصحيح الآثار مع وفور علمهم وكثرة ورعهم وزيادة حذاقتهم ، علمنا علما ضروريا ـ لا ريب يدانيه ، ولا شكّ يعتريه ـ بصدور جملة كثيرة من الأخبار المودعة في كتب أصحابنا مثلا من معادن الوحي ومهابط التنزيل.
وكفاك شاهدا في المقام مراجعة ما قيل في بعض مشايخ الرواية وهو العيّاشي صاحب التفسير من بذله ثلاثمائة ألف دينار في تنقيح الأخبار ، فكان بيته كالمسجد بين قار أو كاتب ومقابل ومصحّح ، وكيف لا مع أنّا لو حاولنا كتابة كتاب يشتمل (١) على أحوال معاصرينا ـ وإن لم يرتبط بأمر ديني ـ نبذل الجهد في تنقيحها وتحصيل ما هو الواقع من حالهم والاحتراز عن الأكاذيب بل عمّا لا نثق به ، ولا نعتمد عليه ، ولعمري إنّ مؤلّفي كتب الأخبار لا يقصر حالهم عن أصحاب النقل ، وأرباب التواريخ وأئمّة اللغة ، فكما أنّا نعتمد عليهم في نقلهم ، ويحصل لنا العلم بل القطع بمطابقة جملة ما ألّفوها ، فكذا يحصل لنا العلم في المقام بصدور جملة من الأخبار ولو بألفاظ مترادفة تفيد مفادها من مخازن العلم ، وبعد إحراز هذا الموضوع نقول : يجب العمل بما علمنا أنّه قول المعصوم من أمر أو نهي مثلا ، فإن علمناه بخصوصه ، فهو ، وإلاّ فلا بدّ إمّا (٢) من العمل بجميع المحتملات عند إمكان الاحتياط ، أو تعيين القول الصادر بطريق ظنّي لقضاء العقل القاطع به وهو المطلوب.
وفيه أوّلا : أعمّية الدليل عن المدّعى ، فهو في الحقيقة ينهض على المقام الثاني ؛ فإنّ مناط وجوب العمل بقول المعصوم ليس هو قوله من حيث قوله بل من جهة كشفه عن الواقع ، ومع التنزّل ، فالعبرة بمطلق رضائه ونحن نعلم علما إجماليا بمطابقة جملة من الأمارات الظنّية كالإجماع المنقول والشهرة وعدم الخلاف ونحوها للواقع ، فيلزم رضا المعصوم به ، فالدليل المذكور لو تمّ ، يدلّ على اعتبار مطلق الأمارات الظنّية حيث
__________________
(١) « ل » : يشمل.
(٢) « ل » : ـ إمّا.