بالعدالة على ما ادّعاه جماعة.
قلنا : أمّا شيخنا أبو جعفر الطوسي قدسسره القدوسي فقد فسّر العدالة بالتحرّز عن الكذب (١) ، وهذا المعنى ممّا لا ريب في اشتراطه ، ولا يضرّ لما نحن بصدده ، وأمّا من فسّرها بالملكة أو بغيرها ممّا ينافي ما ذكرنا ، فالتحقيق أنّه ناش من اجتهادهم في آية النبأ ، وذهابهم إلى أنّ المراد من التبيّن هو التحقّق والتثبّت العلمي ، وبعد ما عرفت من فساد المبنى ، فلا وجه للاتّكال على البناء ، مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ شرط العمل بخبر الواحد في نفسه ـ مع (٢) قطع النظر عمّا يوجب الوثاقة من القرائن الخارجية والاكتفاء بالقرائن الداخلية ـ العدالة كما هو صريح المحقّق في المعتبر (٣) ، وليس ما قلنا حديثا مستحدثا أخبرناه من عند أنفسنا بل هذا هو بعينه ما اعتمد عليه القدماء من أصحابنا الإمامية من الأخبار الموثوق بها على ما صرّح به جماعة من أنّ الصحيح عندهم ليس على مصطلح المتأخّرين بل كلّ ما كان معمولا عند الأصحاب ، مقبولا لديهم ـ ولو باكتنافه بالقرائن المفيدة لذلك ـ فهو صحيح عندهم.
وأمّا المتأخّرون من أصحابنا أيضا اضطرّوا إلى تقسيم الأخبار إلى الأقسام الأربعة المعهودة بعد اختفاء القرائن المكتنفة بها ؛ تحصيلا لما يمكن استناد الوثوق إليها ، ولم يبق لنا قرينة تدلّ على الوثاقة إلاّ ما دوّنوها أصحابنا الرجاليين (٤) في تراجمة رواة الأخبار ، وما تكرّر من مضامين جملة من الآثار في الكتب المتداولة وسوى ما يوجّه من انطباق الخبر بعمل الأصحاب ، فجزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء ، فلولا
__________________
(١) قال في العدّة ١ : ١٥٢ : فأمّا من كان مخطئا في بعض الأفعال أو فاسقا بأفعال الجوارح وكان ثقة في روايته متحرّزا فيها ، فإنّ ذلك لا يوجب ردّ خبره ، ويجوز العمل به ؛ لأنّ العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه ، وإنّما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته ، وليس بمانع من قبول خبره. ولأجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم.
(٢) « ش » : ومع.
(٣) انظر المعتبر ١ : ٢٩.
(٤) منصوب بالتخصيص.