به ، فالقائل بحجّية خبر العدل بعد عدم إمكان إحراز العدالة بالعلم يجب له الرجوع إلى الأصول على حسب اختلاف الموارد فيها ، وذلك ظاهر لا سترة عليه.
الثاني في الموارد التي لو لم يعمل فيها بالظنّ يلزم إبطال الحقوق وتعطيل السوق.
فمنها العدالة على القول بكونها ملكة راسخة نفسانية ، فإنّ العلم بها في غاية الصعوبة بحيث لو لم يستند فيها إليه ، لما قام أمور المسلمين في معاشهم ومعادهم ، فإنّ مبنى الشريعة في الغالب على العدالة كما في الشهادة والحكم والفتوى والوصاية والتولية والطلاق والجماعة والجمعة ونحوها ، فالعلم بتحقّقها غير ممكن غالبا ، والاحتياط حرج أكيد ، وعسر شديد ، والرجوع إلى الأصول بعد العلم الإجمالي بخلافها غير سديد ، والتوقّف في مواردها غير مفيد ، فتعيّن العمل بالظنّ وهو المطلوب.
ومنها الضرر ، فإنّ العلم به غالبا لا يحصل إلاّ بعد الوقوع فيه ، وذلك خلاف ما قد بني عليه الشريعة السمحة السهلة ، والاحتياط بعد تصويره مدفوع بما مرّ مرارا ، والاستناد إلى الأصول يوجب اختلال سوق المسلمين كما هو واضح ، فيجب الرجوع إلى الظنّ.
ثمّ إنّه يظهر من كشف اللثام (١) ومن تأخّر عنه أنّ المناط في الضرر هو مجرّد الخوف نظرا إلى بعض الأخبار الدالّة صريحا على اعتبار الخوف موضوعا آخر غير الضرر ، والظاهر منها أنّ الخوف ليس موضوعا آخر بل هو طريق للضرر لئلاّ يلغو الخبر الدالّ صريحا على أنّ الخبر موضوع ، فتدبّر جدّا.
وبالجملة ، فكلّ مورد يجري فيه برهان الانسداد ، أو يستلزم الظنّ به الظنّ بالحكم الكلّي الفرعي من الموضوعات الصرفة يحكم بحجّية الظنّ فيه بخلاف غيره ، فإنّ الأصل حرمة العمل بما وراء العلم.
ومن هنا يظهر أنّه كلّما تعارض الأصل والظاهر ـ كما في أصالة الطهارة وظهور
__________________
(١) انظر كشف اللثام ٤ : ٢٧٢ ، و ٥ : ١١٨ و ١٨١.