العالم إنّما يستند إلى العلم بالتغيّر ، فهو من حيث إنّه متغيّر حادث ؛ لأنّ التغيّر طريق ومرآة لحدوثه على ما لا يخفى.
إذ قد عرفت المراد من الحجّة ، ظهر أنّ العلم ليس بهذه المثابة ؛ فإنّ العلم مرآة وطريق إلى الواقع ، وليس واسطة في ترتّب أحكام متعلّقه عليه بل هو آلة للوصول إليه واقعا عند العالم ، فكما أنّ السراج ـ مثلا ـ ليس واسطة لثبوت الأحكام الواقعية الثابتة بواسطة عللها الواقعية للأشياء المختفية لعارض الظلمة ، ولا لإثباتها لها بل به يمكن الوصول إلى تلك الآثار الثابتة لها ، فكذا العلم ليس واسطة في ثبوت آثار المعلوم له ، ولا في إثباتها له ، ففي ترتّب حكم من الأحكام على المعلوم ـ لو طالبنا أحد بدليل ـ لا يصحّ تعليله بالعلم ، فلا بدّ من بيان ما هو المستند في ترتّب ذلك الحكم على المعلوم من جعل جاعل كما في الأحكام الجعلية وغيره في غيرها كما يظهر ذلك عند ملاحظة قولك : « البول نجس » فإنّ النجاسة لا تترتّب على العلم بها ؛ لاستنادها إلى جعل الشارع مثلا ، فهو من حيث علّتها الواقعية نجس ، لا من حيث إنّه معلوم كما هو الشأن في الواسطة العلمية ، وليس سائر الأمارات الظنّية مثل فتوى المجتهد والاستصحاب والخبر كذلك ، فإنّها أوساط في الأدلّة التي يستدلّ بها على إثبات الآثار على متعلّقاتها كما ترى في قولك : صلاة الجمعة واجبة ، لأنّها ممّا أخبر العادل بوجوبه ، فهي ـ من حيث إنّها قد أخبر العادل بوجوبها ـ واجبة.
وقس عليه سائر الأمارات من ظنّ المجتهد وغيره ، فإنّه يقال : هذا ما أدّى إليه ظنّي ، وكلّ ما أدّى إليه ظنّي ، فهو حكم الله في حقّي ، فالموضوع في النتيجة من حيث كونه مظنونا صار موضوعا لمحمولها ؛ وكذا يقال في الاستصحاب : هذا ممّا علمنا طهارته قبل ، وكلّ ما علمنا طهارته قبل ، فلا بدّ من إجراء أحكام الطهارة عليه ، فهذا ممّا لا بدّ من إجراء أحكام الطهارة عليه ، فالاستصحاب واسطة في إثبات أحكام المستصحب له وترتّب آثاره عليه ، ولهذا ما لم يدلّ دليل على اعتبار الاستصحاب أو