__________________
إن لم يجئكم فاسق بنبإ ، فلا يجب عليكم التبيّن « خروج عن حقائق الكلام وترك للعرف والعادة بمجرّد احتمال كون السالبة منتفية الموضوع » ومراده بالسالبة هي إن لم يجئكم فاسق بنبإ ، ولا ريب أنّ موضوعها هو الفاسق ، ويتصوّر كونها منتفية الموضوع بأن ينتفي الفاسق مع بقاء وجوب بناء المذكور في القضية السالبة التي هي المفهوم ، وكذا عدم وجوب التبيّن ، ولا ريب أنّ ثبوت البناء وتحقّق عدم التبيّن مع انتفاء الفاسق الذي هو موضوع لا يكون إلاّ بأن يكون هناك عادل جاء بالنبإ وأراد بالخروج عن حقائق الكلام حمل تلك السالبة على معنى يتحقّق فيه انتفاء الموضوع ، وكذلك المراد بترك العرف والعادة ذلك ؛ لعدم مساعدة العرف إلاّ على حمل السالبة على الموجود الموضوع ؛ لأنّ ذلك معناها الحقيقي عندهم ، وحاصل مراده أنّهم حملوا السالبة على المنتفية الموضوع بمجرّد الاحتمال مع وضوح أنّ حمل اللفظ على معناه المجازي بمجرّد احتماله لذلك من دون قيام قرينة ممّا لا مساغ له.
هذا وفي كلامه رحمهالله مواقع للنظر :
أحدها : أنّ ما ذكره من تعميم مجيء نبأ العادل وعدم مجيئه ليس شيء منهما من أفراد عدم مجيء نبأ الفاسق ، ولا يقصد أحد من المتكلّمين التعميم في أمثاله ، ألا ترى أنّ قولك : إن جاءك زيد فأكرمه ، وكذلك قولك : إن لم يجئك زيد ، فلا تكرمه لا تقصد بشيء منهما التعميم بالنسبة إلى مجيء عمرو وعدم مجيئه ولا يعدّ شيء منهما من أفراد مجيء زيد وعدم مجيئه ، فالالتزام بالعموم كما صدر منه رحمهالله ليس في محلّه.
ثانيها : أنّ ما ذكره ـ من عدم جواز المصير إلى حمل السالبة على المنتفي الموضوع بمجرّد الاحتمال ـ يعطي أنّه يسلم جريان احتمال كون السالبة منتفية الموضوع خصوصا بملاحظة دفعه بكونه مجازا بغير قرينة ، وذلك بمكان من البعد من مثله ؛ لأنّ السالبة في كلامه لا يمكن أن تكون إلاّ عبارة عن المفهوم ، ولا ريب أنّ المفهوم ليس إلاّ أمرا لبّيا وهو رفع المنطوق ، فكيف يعقل فيه إرادة انتفاء الموضوع مجازا.
وتوضيح ذلك أنّ قولك : إن جاءك نبأ الفاسق فتبيّن ، يفهم منه معنى لازم يعبّر عنه في المحاورات بقولك : إن لم يجئك نبأ الفاسق ، فلا يجب عليك التبيّن ، وأين هو من السالبة بانتفاء الموضوع بالمعنى الذي يريده ممّا بيّنّاه من انتفاء الفاسق وبقاء الخبر مع عدم وجوب تبيّنه؟ أم كيف يعقل فيه الخروج عن الحقيقة وليس من قبيل الألفاظ؟ مضافا إلى ما عرفت من أنّه لا