__________________
وبالجملة ، فلا بدّ من حمل الأمر بالتبيّن على أحد هذه الوجوه للإجماع على عدم وجوب التبيّن عند خبر الفاسق مطلقا وعلى هذا ، فما تداول في كتب القوم في بيان وجه الاستدلال في أنّه تعالى علّق وجوب تبيّن النبأ على مجيء الفاسق به ، فعلى تقدير مجيء العادل به إمّا أن يجب القبول وهو المدّعى ، أو يجب الردّ ، فيلزم أن يكون العادل أسوأ حالا عن الفاسق غير مستقيم ؛ إذ مرجع الأمر بالتبيّن فيما عدا الوجه الأخير إلى ردّ نبئه وفي الوجه الأخير يجب التبيّن في نبأ العادل أيضا وإنّما يتمّ ما ذكروه إذا حمل الأمر بالتبيّن على وجوبه مطلقا وهذا ممّا لا ذاهب إليه. هذا كلامه رحمهالله ومحصّله أنّه قام الإجماع على أنّه ليس الواجب هو التبيّن عن حال خبر الفاسق مطلقا حتّى في صورة عدم إرادة العمل به بل الوجوب مختصّ بحال إرادة العمل ، فلا بدّ من التصرّف في إطلاق الآية لئلاّ يكون مخالفا للإجماع ، فلا بدّ من حملها إمّا على إرادة عدم القبول من التبيّن ، فيصير منطوق الآية إن جاءكم فاسق بنبإ ، فلا تقبلوا قوله ، فيكون مفهومه إن جاءكم عادل بنبإ جاز لكم قبول قوله ، أو كون وجوب التبيّن شرطيا ، فيصير المعنى أنّ قبول قول الفاسق مشروط بالتبيّن ، فيصير مفهومه أنّ قبول قول العادل ليس مشروطا بالتبيّن ، أو حمل وجوب التبيّن على مواضع خاصّة يجب فيها التبيّن لكنّه اعترف بأنّ هذا الوجه لا يفيد في الاستدلال ؛ لأنّه يلزمه التبيّن عن خبر العادل أيضا على هذا التقدير ، فلا بدّ من حمل الآية على ما عداه ، وحينئذ لا يبقى حاجة إلى ضميمة المقدّمة الأخرى هذا.
وأمّا الثاني ، فهو مسلك جماعة ، وليعلم أنّه ربّما يتّجه على القول بثبوت الواسطة بين العادل والفاسق وليس هو المجهول الحال كما زعمه بعض من لم يمعن النظر ؛ لأنّه إمّا عادل في الواقع ، أو فاسق وليس واسطة بينهما بحسب الواقع ، وإنّما هو من أسلم ولم يصدر منه ذنب بعد إسلامه بالنسبة إلى مقدار زمان لا يتحقّق فيه الملكة ، وكذلك من بلغ ولم يصدر منه ذنب بالنسبة إلى ذلك المقدار ، فيتحقّق الواسطة بين العادل والفاسق على القول بكون العدالة عبارة عن الملكة. وأمّا على القول بغيرها ، فيدخل ما عدّ واسطة على القول المذكور تحت العادل ، فعلى القول بثبوت الواسطة لا يفيد مفهوم الآية عند من يقول بثبوته تعيّن قبول قول العادل بل يفيد قبول غير الفاسق مطلقا الشامل للواسطة ؛ لأنّ مقتضى قاعدة المفهوم إنّما هو دفع الموجود في المنطوق ، ورفع الفاسق يعطي ثبوت القسمين من العادل والواسطة إلاّ أن يقال : إنّ مبنى المفهوم على إقامته ما هو ضدّ للمذكور في المنطوق بحسب التعارف مقامه لا على إقامة نقيضه ، وحينئذ