١٠ ـ وأخيراً : النجوم الزاهرة لسماء الفقاهة ، الذين صاغوا من أنفسهم رجالاً محنّكين لابتعادهم عن الكسل والعُزلة ، ومعرفتهم بالزمان ومقتضياته ، مع نضوج الفكر وحسن السليقة واستقامتها ، والدقّة والنظم الإبداع في العمل مع أهداف ساميّة عالية وشعور عقلائي رائق في البيان والكتابة ، وهمّة عالية وعزم راسخ إلهي ، ونفس أبيّة قويّة ، وحركة دائبة وجدّ مستمر ( وكأنّ أحدهم بعد مضيّ ستّين أو سبعين سنة من عمره المبارك ، يعمل ويسعى سعي عدّة أفراد من الطلاّب المجدّين ).
إلهي : يامن هو المبدأ لهذه المكارم الكاملة الجميلة : نسألك أن تعطينا يقظة وانشراح صدر ، حتّى لا يحجبنا بعض ما نراه نقصاً فيهم عن مشاهدة أنوار حكمتهم ، ولا يحرمنا بعض عثراتهم ـ التي لا يخلو غير المعصوم منها ـ من كوثر معارفهم البالغة ، فانّه لا حكيم إلاّذو عثرة (١).
كما انّا نسألك يامالك القلوب والأبصار : أن تهب لنا وفاءً وتأدّباً ، حتّى لا نطلق عليهم لساناً هم صيّروه ناطقاً ، وقلماً وبياناً هم علّموه البلاغة (٢).
والحقير الفاقد لأيّة بضاعة يحمدك بكلّ وجوده وأعماق قلبه على أن وفّقته لتقرير حلقة ( الدورة الرابعة لخارج الاصول ) من حلقات درس استاذٍ هو بنفسه غُصن من هذه الشجرة الطيّبة ، ونجم من هذه المنظومة المضيئة.
فأرجو الله سبحانه أن لا يمنعنا حجاب المعاصرة عن مشاهدة هذه الوجوه المشرقة ، ومفاخر المدرسة الجعفريّة ، فندرك مكانة هذه النجوم المضيئة ومقاماتهم بعد رحيلهم عن دنيا المعرفة والحكمة ، وأفولهم عن سماء العلم والهداية.
إنّ سبب اختياري درس الاستاذ ( دام ظلّه ) أنّي بعد ما سمعت عزمه على الشروع بالدورة
__________________
(١) عن الرضا عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « غريبان : كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها ، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها ، فانّه لا حكيم إلاّذو عثرة ، ولا سفيه إلاّذو تجربة ». ( بحار الأنوار : ج ٢ ، ص ٤٤ ).
(٢) « لا تجعلنّ ذرب لسانك على من أنطقك ، وبلاغة قولك على من سدّدك ». ( نهج ـ حكمة ٤١١ ).