بخلاف الخاصّ فإنّه مع قيد الوجود أيضاً لا يحكي إلاّعن بعض أفراد العامّ ، فتأمّل جيّداً.
فظهر من جميع ما ذكر أنّ الصحيح إمكان الأقسام الثلاثة الاولى من الوضع دون الرابع.
لا إشكال في وجود القسم الأوّل والثالث من الأقسام المذكورة للوضع ( أي ما إذا كان الوضع عامّاً والموضوع له عامّاً ، أو كان الوضع خاصّاً والموضوع له خاصّاً ) في الخارج ، فمن القسم الأوّل أسماء الأجناس ، ومن الثالث الأعلام الشخصيّة.
أمّا القسم الثاني فقد وقع البحث في وقوعه خارجاً ، والمشهور على ذلك ، وعدّوا من مصاديقه المعاني الحرفيّة وما شابهها ، فينبغي البحث والتحقيق في حقيقة المعاني الحرفيّة لما يترتّب عليه في أبواب الواجب المشروط وغيره على قول بعض.
وهذا البحث يستدعي نظراً كلّياً إلى الأقوال المعروفة والآراء الموجودة فيه قبل الورود في تفصيله.
فنقول : هنا أقوال خمسة ننظر إليها إجمالاً ثمّ نتكلّم عن أدلّتها ونقدها تفصيلاً :
القول الأوّل : أنّ الحروف لا معاني لها بل هي علامات للمعاني الاسميّة كالاعراب في الكلمات المعربة ، فكما أنّ الرفع مثلاً علامة للفاعل ، والنصب علامة للمفعول ، كذلك الحروف ، فكلمة « من » مثلاً علامة لابتداء السير في جملة « سرت من البصرة إلى الكوفة » و « إلى » علامة لانتهائه ، والقائل به « محمّد بن حسن الرضي » من أعلام القرن السابع في كتابه الموسوم بشرح الكافيّة ( وإن كان المستفاد من بعض كلماته القول الثاني الآتي ذكره ) والإنصاف أنّ صدر كلامه وإن كان يدلّ على القول الثاني فإنّه ذكر فيه « إنّ معنى « من » ومعنى « لفظ الابتداء » سواء ، إلاّ أنّ الفرق بينهما أنّ لفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر بل معناه الذي في نفسه مطابقة ، ومعنى « من » مضمون لفظ آخر ينضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الأصلي » كما أنّ ذيل كلامه قد يشعر بالقول الأوّل فإنّه قال : « فالحرف وحده لا معنى له أصلاً إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شيء ليدلّ على أنّ في ذلك الشيء فائدة ما » (١).
__________________
(١) شرح الكافيّة : ج ١ ، ص ١٠.