علم الاصول كما ينبغي
المعروف أنّ أوّل ما دوّن علم الاصول هو رسالة دوّنها الشّيخ المفيد رحمهالله وأوردها المحقّق الكراجكي رحمهالله في كنز فوائده (١) ، ولكن من الواضح أنّ هذا لا يعني أنّ هذا المحقّق رحمهالله هو المبتكر لهذا الفنّ ، بل إنّ الفكر الاصولي وقد وضِعت دعائمه وانعقدت نطفته منذ عصر الأئمّة عليهمالسلام بل منذ عصر النبي صلىاللهعليهوآله ، ذلك العصر الذي شهد ظهور الفقه ، وتحرك فيه فقهاء الامّة ليسترفدوا من الكتاب والسنّة ـ بل إجماع المسلمين ودليل العقل أحياناً ـ لاستنباط الأحكام الالهيّة فإحتاجوا إلى معرفة أدلّة الأحكام الفقهيّة والمنابع الأصلية لها والإحاطة الدقيقة بمنابعها الأساسيّة وحدودها وخصوصيّاتها على أحسن وجه ، حيث كانت أحكام الدِّين وما يحتاج إليه المكلّفون مبثوثة في الكتاب والسنّة ، ولا بدّ للعلماء وأصحاب الحديث وغيرهم من رسم خطوط عامّة لكشفها واستنباطها عن أدلّتها ، فكان اللازم معرفة هذه الأدلّة التي يستكشف منها أحكام الشرع وكيفية الاستدلال بها عليها.
لكن لا إشكال في أنّ علم الاصول كان في تلك العصور مجرّد قواعد بسيطة جدّاً ، متفرّقة غير مدوّنة في كتاب خاصّ ، مأخوذة من كتاب الله وسنّة النبي وأئمّة الهدى عليهمالسلام وعُرف العقلاء ، ويلقيها العلماء في كلّ زمان إلى تلامذتهم ، فقد صرّح أئمّة أهل البيت عليهمالسلام بأنّ « علينا إلقاء الاصول وعليكم التفريع » (٢). وقال الإمام الباقر عليهالسلام لأبان بن تغلب : « اجلس في مسجد
__________________
(١) وقد طبعها ونشرها أخيراً المؤتمر العالمي لألفيّة الشّيخ المفيد رحمهالله ، فراجع ج ٩ من مصنّفات الشّيخ المفيد رحمهالله.
(٢) وسائل الشيعة : ج ٢٧ ، طبع آل البيت ، ص ٦٢ عن الإمام الرضا عليهالسلام ، وقد نقل نفس الحديث في بحار