قومه صلىاللهعليهوآله كانوا دانين بالنسبة إليه لا سيّما بملاحظة قوله صلىاللهعليهوآله « أيّها الجاهلون » الدالّ على تحقير شديد.
ويشهد له ما ورد من الآيات والرّوايات في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوبها على جميع المكلّفين لأنّه لا إشكال في أنّه ليس لكلّ واحد منهم علوّ على باقي الناس ، كما يشهد له أيضاً قياس الأمر بالنهي حيث إنّ الظاهر عدم اعتبار واحد منهما في النهي.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز وأنّه في ما نحن فيه لم يصل إلى حدّ الاطّراد فنرجع إلى أصالة عدم النقل.
والتحقيق في المسألة أن يقال أنّ المتبادر من الأمر إنّما هو نوع من الإلزام ( في مقابل الاستدعاء الذي ليس فيه إلزام ) وهو يتصوّر فيمن كان مطاعاً بنحو من الأنحاء ، أي يصدر الإلزام ممّن هو مطاع إمّا شرعاً أو عرفاً أو عقلاً ، وحيث إنّ لزوم الطاعة يلازم غالباً العلو والاستعلاء فتوهّم من ذلك اعتبارهما في المعنى الموضوع له الأمر.
وبعبارة اخرى : المتبادر من الأمر إنّما هو الإلزام ، وأمّا العلو والاستعلاء فهما من اللوازم الغالبية له.
واستدلّ لها بوجوه :
الوجه الأوّل : التبادر والظهور العرفي ، فإنّ المتبادر عرفاً من لفظ الأمر فيما إذا كان مجرّداً عن قرينة على الاستحباب هو الطلب الإلزامي.
وإن شئت قلت : أنّ مفاده البعث كما عرفت ، والبعث يستدعي الانبعاث كما هو الحال في البعث الفعلي بأن يأخذ بيده ويبعثه نحو العمل ، فكما أنّ البعث الفعلي ظاهر في الوجوب ، فكذا البعث القولي يتبادر منه الوجوب ، بل سيأتي إن شاء الله تبادر الفوريّة منه أيضاً.
لا نقول إنّ استعماله في المستحبّ مجاز كما سيأتي ، بل نقول : المتبادر من الإطلاق هو الوجوب ، والانصراف إلى بعض أفراد المطلق ليس بمعنى كونه مجازاً في غيره.
الوجه الثاني : قوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ