إذا عرفت هذا المقدّمات فلنتكلم عن أصل البحث وهو مقتضى الأصل الأوّلي في الأوامر وأنّه هل هو التعبّديّة أو التوصّليّة؟
فنقول : فيه ثلاثة أقوال :
١ ـ أنّ الأصل هو التوصّلية وهو المختار.
٢ ـ أنّ الأصل هو التعبّديّة وهو المنقول من الكلباسي صاحب الإشارات.
٣ ـ فقدان الأصل اللّفظي فلابدّ من الرجوع إلى الاصول العمليّة وهو مختار المحقّق النائيني رحمهالله.
أمّا القول الأوّل : فقد ظهر بيانه ممّا ذكرنا من أنّه يمكن للمولى أخذ قصد الأمر ضمن أمر واحد أو أمرين فحيث لم يأخذه وكان في مقام البيان نتمسّك بإطلاق كلامه ، ونثبت به عدم اعتباره عنده.
وأمّا القول الثاني : فاستدلّ له بامور :
الأمر الأوّل : أنّ غرض المولى من الأمر هو إيجاد الداعي في المكلّف للعمل وإخراجه من حالة عدم إحساس المسؤوليّة إلى حالة إحساس المسؤوليّة في قبال المولى ، وكلّما حصل هذا الغرض حصل قصد القربة طبعاً لأنّه ليس إلاّ إحساس المكلّف بالمسؤوليّة في مقابل المولى وانبعاثه من بعثه وتحرّكه من تحريكه ، فالأصل الأوّلي في الأوامر أن تكون تعبّديّة ، والتوصّلية تحتاج إلى دليل خاصّ.
ولكن يمكن الجواب عنه :
أوّلاً : أنّه لا دليل على أنّ غرض المولى في أوامره هو تحريك العبد مطلقاً ، فإنّه أوّل الكلام حيث يمكن أن يكون غرضه تحريك العبد في ما إذا لم يكن متحرّكاً بنفسه ، فلو علم المولى بتحرّك العبد بنفسه وحركته إلى الماء مثلاً لرفع عطش المولى لم يأمره بإتيان الماء ، وهذا نظير ما ورد في بيان الإمام السجّاد عليهالسلام حيث قال : « ولست اوصيكم بالدنيا فإنّكم بها مستوصون وعليها حريصون وبها مستمسكون ». (١)
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٧٥ ، ص ١٤٧ ، طبع بيروت.