بالحرف : عين / العين الجارحة ... ويستعار العين لمعانٍ هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة ، ويستعار للثُقب في المِزادة تشبيهاً بها في الهيئة وفي سيلان الماء منها ، فاشتقّ منها سقاءٌ عيِّن ... والمتجسّس عين تشبيهاً بها في نظرها ، وقيل للذهب عين تشبيهاً بها في كونها أفضل الجواهر ، كما أنّ هذه الجارحة أفضل الجوارح ، ومنه قيل : أعيان القوم لأفاضلهم ، وأعيان الاخوّة لبني أب وام ... ويقال لمنبع الماء عين تشبيهاً بها لما فيها من الماء ، وعن عين الماء اشتقّ « ماء معين » أي ظاهر للعيون ... ويقال لبقر الوحش « أعين » و « عيناء » لحسن عينيه. ( انتهى ).
ولا يخفى أنّ هذه العبارة تنادي بأعلى صوته أنّ العين ليس مشتركاً لفظيّاً ، والظاهر عدم اختصاص هذا المعنى بهذه اللّفظة ، بل يجري في كثير من الألفاظ التي يدّعي اشتراكها.
اللهمّ إلاّ أن يقال في خصوص لفظ « العين » إنّ ما ذكره الراغب في المفردات إنّما هو بيان لوجه استعمال العين في غير الجارحة المعروفة ، والعلاقة الموجودة بينهما ، ولكن بعد كثرة الاستعمال صار حقيقة فيها كما هو حقيقة في الجارحة المعروفة ، فحصل الاشتراك اللّفظي.
وعلى كلّ حال نحن وإن قلنا بأنّ كثيراً من الألفاظ التي يتصوّر اشتراكها لفظاً تكون من المشترك المعنوي واقعاً ، ولكن ما قد يظهر من بعض ( مثل صاحب كتاب : « التحقيق في كلمات القرآن الكريم » ) من إرجاع جميع الكلمات المشتركة الواردة في القرآن الكريم إلى أصل واحد ممّا لا دليل عليه ، ولا داعي له ، ومن أقوى الأدلّة على نفي هذا القول بعض التكلّفات التي ارتكبها في كثير من اللغات المشتركة بداعي ارجاعها إلى أصل واحد.
الأمر الثالث : في إمكان وقوعه في كلام الله تعالى
ويدلّ عليه أوّلاً : أنّه مقتضى بلاغة الكلام لأنّها تقتضي أحياناً إطلاق الكلام مجملاً مردّداً ، ولا إشكال في أنّ كلام الله تعالى أبلغ الكلمات.
وثانياً : ما قد يقال : إنّ أدلّ الدليل على إمكان شيء وقوعه ، ولقد وقع استعمال المشترك في القرآن نحو لفظ العين فإنّه تارةً استعمل في العين الجارية في قوله تعالى ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) واخرى في العين الباكيّة في قوله تعالى : ( وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ ) ولكن قد عرفت الإشكال في كون لفظ العين من المشتركات اللّفظيّة.
هذا تمام الكلام فيما أردناه من الامور الثلاثة بعنوان المقدّمة.