وثالثاً : لا ينحصر طريق حلّ المشكل في الاشتراك بل إنّ باب المجاز واسع.
فظهر : أنّ الحقّ إمكان الاشتراك لا وجوبه ولا امتناعه ، كما أنّ الحقّ إمكان الترادف أيضاً لكونه مقتضى حكمة الوضع ، فربّما تقتضي الفصاحة استعمال ألفاظ مترادفة في معنى واحد للتأكيد أو غيره.
لا إشكال في أنّه من البعيد جدّاً أن يكون منشأ اشتراك بعض الألفاظ وضع واضع واحد ، فيضع لفظاً واحداً تارةً لمعنى واخرى لمعنى آخر ، بل يحتمل فيه وجهان آخران :
الوجه الأوّل : أن يكون المنشأ تعدّد الوضع التعييني بسبب تعدّد القبائل والطوائف في لغة واحدة كأن تضع قبيلة لفظاً في معنى ، وتضع قبيلة اخرى من نفس تلك اللّغة ذلك اللفظ في معنى آخر.
الوجه الثاني : الوضع التعيّني ، فوضع لفظ العين مثلاً في بدو الأمر للعين الباكية ثمّ استعمل في الجارية مجازاً بعلاقة الجريان ، وصار بعد كثرة الاستعمال حقيقة ، وكذلك بالنسبة إلى المتجسّس بعلاقة النظر وكونه بمنزلة البصر على الخصم ، وهكذا بالنسبة إلى سائر معانيه.
أضف إلى ذلك ما يقع في الأعلام الشخصيّة ، فإنّه كثيراً ما يختارون اسم « محمّد » لأفراد كثيرة ، أو اسم فاطمة لعدّة بنات تبرّكاً بإسم النبي صلىاللهعليهوآله وبنته الزهراء سلام الله عليها ، فيكون هذا من أسباب الاشتراك في الأعلام ، أو يسمّون مسجداً باسم أمير المؤمنين عليهالسلام في بعض البلاد ، ومسجداً آخر بإسمه عليهالسلام في بلدة اخرى وهكذا.
لكن هنا أمر ينبغي التنبيه عليه ، وهو أنّا وإن قلنا بإمكان المشترك ووقوعه لا سيّما في باب الأعلام إلاّ أنّ كثيراً من الألفاظ التي يتوهّم كونها مشتركاً لفظيّاً ، مشترك معنوي أو من قبيل الحقيقة والمجاز ، نحو « القرء » فإنّ المعروف كونه مشتركاً لفظياً وإنّه وضع للطهر تارةً وللحيض اخرى ، مع أنّه مشترك معنوي وضع لمعنى انتقال المرأة من حال إلى حال ، والانتقال له فردان : الانتقال من الطهر إلى الحيض وبالعكس ، ويشهد عليه استعماله في مطلق الانتقال في لسان القرآن وكلمات بعض أهل اللّغة ، ولعلّ لفظ « العين » بالنسبة إلى معانيها الكثيرة أيضاً كذلك ، كما يشهد له عبارات المفردات للراغب في ذيل البحث عن كلمة « عين » وإليك نصّها