العلّة الغائيّة من وضع الألفاظ هو انتقال المرادات ، والعلّة تضيّق المعلول وتحدّده ويكون هذا التضييق من قبيل القضيّة الحينيّة لا الشرطيّة ، فيكون قيد « حين الإرادة » دخيلاً في معنى اللفظ ، أي اللفظ وضع للمعنى حين كون مراداً.
واستشكل عليه في التهذيب بأنّا لا نسلّم الصغرى ، وهي أنّ غاية وضع الألفاظ انتقال المرادات ، لأنّ الغاية في الوضع هو بيان الواقعيات الخارجيّة ، وإرادة المعنى تكون مرآة للخارج وآلة للنيل إلى الواقع (١).
أقول : التحقيق أنّ النزاع في المسألة أشبه شيء بالنزاع اللّفظي لأنّه إن كان المراد من دخالة الإرادة دخالتها في الموضوع له فلا يقول بها أحد حتّى تصل النوبة إلى البحث والنزاع ، وإن كان المراد أنّ المقصود من وضع الألفاظ هو تبيين المرادات ، والإرادة دخيلة في غاية الوضع ولو مرآة إلى الخارج ، فهذا ممّا لا مجال لانكاره.
إن قلت : إنّ مقتضى تضييق المعلول بالعلّة دخالة الإرادة في الموضوع له. قلنا : العلّة المضيّقة للمعلول ليست هي العلّة الغائيّة بل هي العلّة التامّة ... فيوجد المعلول بتأثير علّته التامّة ، وأمّا العلّة الغائيّة فهي من المعدّات ، ولهذا لا يوجب تضييق المعلول في الكثير من الموارد ، نظير ما إذا قصدت المسجد والدخول فيه للصّلاة ولكن بعد الدخول تلوت القرآن أو استمعت إلى الخطيب مثلاً ، كما أنّه كذلك في الصنائع المخترعة ، فتكون المعلولات المخترعات فيها أعمّ من عللها الغائيّة الابتدائيّة لمخترعيها فتترتّب عليها آثار اخرى غير ما قصدها المخترعون كما هو ظاهر على الخبير ، كما أنّه كذلك في كثير من المباحث الاصوليّة ، فتكون الغاية فيها تبيين الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة ولكن تترتّب عليها آثار اخرى في الألفاظ الواردة في الوصايا والأوقاف الخاصّة والعامّة وغيرها.
بقي هنا شيء :
وهو بيان المراد من الكلام المنقول عن الشّيخ الرئيس والمحقّق الطوسي رحمهالله من « أنّ الدلالة تابعة للإرادة ».
__________________
(١) راجع التهذيب : ص ٣٥ ـ ٣٦ ، طبع مهر.