النهي طلباً للترك ، ( والتعبير بأنّ عدم المفسدة بنفسه مصلحة تعبير تسامحي ) كما أنّ الأمر بالصّلاة لا يكون لأجل مفسدة في ترك الصّلاة.
واستدلّ في تهذيب الاصول بوجه ثالث وهو « أنّ العدم والترك من الامور الباطلة الوهمية لا يمكن أن يكون ذا مصلحة تتعلّق به اشتياق وإرادة أو بعث وتحريك ، إذ البطلان المحض لا يترتّب عليه أثر حتّى يقع مورد التصديق بالفائدة ، وقد عرفت أنّ ما هو المشهور من أنّ للاعدام المضافة حظّاً من الوجود ممّا لا أصل له إذ الوجود لملكاتها لا لاعدامها » (١).
ولكن الإنصاف أنّه مجرّد دقّة عقليّة ، فإنّ العدم لو سلّمنا كونه بطلاناً محضاً بنظر فلسفي عقلي ، إلاّ أنّ الكلام في الأوامر والنواهي العرفيّة العقلائيّة ، ولا يبعد أن يطلب مولى عرفي من عبده عدم شيء أو ينهاه عنه ، كما أنّه كثيراً مّا يتّفق أنّ الطبيب يطلب من المريض ترك أكل غذاء خاصّ أو ترك شرب مائع خاصّ كالماء البارد.
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ النهي من الإنشائيات لا الإخباريات حيث إنّه وضع لانشاء الزجر وليس بمعنى « زجرت » ، كما أنّ الأمر أيضاً وضع لانشاء البعث وليس بمعنى « بعثت ».
هذا ـ وقد وقع بين القائلين بأنّ معنى النهي طلب الترك نزاع معروف ، وهو أنّه ما المراد من الترك؟ فهل هو عبارة عن « أن لا يفعل » ، أو يكون بمعنى الكفّ ذهب المحقّق الخراساني والمحقّق النائيني رحمهما الله إلى الأوّل ، ويمكن أن يستدلّ له بوجهين :
الوجه الأوّل : أنّه هو المتبادر إلى الذهن.
الوجه الثاني : أنّ الترك أمر عدمي ، وهو يحصل بمجرّد ترك الفعل ، والتكليف بالكفّ تكليف بأمر وجودي زائد على مطلق الترك فيحتاج إلى مؤونة زائدة من الدليل وهي مفقودة.
والقائلون بأنّ المراد من الترك هو الكفّ استدلّوا بأنّ مجرّد « أن لا يفعل » عدم خارج عن تحت القدرة والاختيار فلا يمكن أن يتعلّق به البعث والطلب ، والشاهد على ذلك أزليّة العدم بمعنى أنّه كان قبل أن يكون المكلّف موجوداً.
واجيب عنه : بأنّه إذا كان وجود شيء تحت القدرة والاختيار كان عدمه أيضاً كذلك لاستحالة الانفكاك بين وجود شيء وعدمه من هذه الجهة ، فإنّ الجبر في جانب العدم يستلزم
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٧٢ ، طبع جماعة المدرّسين.