وإن شئت قلت : بين الحكمين أي الوجوب والاستحباب ما به الاشتراك وما به الامتياز ( أو بين منشأ انتزاعهما ) وهما وإن لم يكونا في المقام من الجنس والفصل ولكنّهما من قبيلهما ، فيمكن ارتفاع أحدهما وبقاء الآخر لأنّ كليهما مجعولان من قبل الشارع.
إذا عرفت ذلك وانتهى الكلام إلى حقيقة الأحكام الشرعيّة وناقشنا في المبنى المزبور فينبغي البحث في أنّ حقيقتها ماذا؟
فنقول : أمّا الوجوب والحرمة فحقيقتهما إتّضحت ضمن الأبحاث السابقة ، فإنّ الوجوب عبارة عن البعث الشديد إلى الفعل ، والحرمة هي الزجر الشديد عن الفعل ، وأمّا الاستحباب فحقيقته أيضاً هو البعث إلى الفعل ولكن مرتبة خفيفة من البعث ، كما أنّ الكراهة أيضاً حقيقتها هي الزجر عن الفعل ولكن زجراً خفيفاً وهذا كلّه ما يوافقه الارتكاز العرفي مع قطع النظر عن بيان الشرع.
وأمّا الإباحة فهي إرسال تشريعي وترخيص إنشائي اعتباري من جانب الشارع نظير الترخيص التكويني فيما إذا فتحت باب دارك مثلاً ورفعت الموانع عن الدخول فيها ، فكما أنّ الإباحة التكوينيّة عبارة عن رفع المانع وإطلاق السراح والترخيص كذلك الإباحة الإنشائيّة التشريعيّة.