( بناءً على القول بها ) ففي قول المولى تعالى « أحسن كما أحسن الله إليك » أو قوله تعالى : ( وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ ) ( بناءً على استحباب الكتابة في الدَين كما هو المشهور والمعروف ) لا يصحّ سلب معنى الأمر منهما وجداناً ، فلا يصحّ أن يقال أنّه ليس بأمر مع أنّ المجازيّة تستلزم صحّة السلب كما لا يخفى.
الاحتمال الثاني : ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله وهو « أنّ الوجوب إنّما يكون حكماً عقليّاً ومعناه أنّ العبد لا بدّ أن ينبعث عن بعث المولى إلاّ أن يرد منه الترخيص بعد ما كان المولى قد أعمل ما كان من وظيفته وأظهر وبعث وقال مولويّاً « افعل » وليس وظيفة المولى أكثر من ذلك ، وبعد إعمال المولى وظيفته تصل النوبة إلى حكم العقل من لزوم انبعاث العبد عن بعث المولى ، ولا نعني بالوجوب سوى ذلك » (١).
والإنصاف عدم تماميته أيضاً ، لأنّ حكم العقل بوجوب الانبعاث في مقابل مطلق بعث المولى أوّل الكلام ، بل أنّ وجوبه أو استحبابه متفرّع على كيفية إرادته واستعماله لصيغة الأمر ، فإن استعملها في الوجوب يحكم العقل بوجوب الانبعاث وإن استعملها في الندب يحكم العقل باستحباب الانبعاث ، فوجوب الإطاعة والعمل على وفق مراد المولى مسلّم ، إنّما الكلام في مراد المولى من أمره.
الاحتمال الثالث : ما ذكر في تهذيب الاصول ، وهو « أنّها كاشفة عن الإرادة الحتمية الوجوبيّة كشفاً عقلائيّاً ككاشفية الأمارات العقلائيّة ، ويمكن أن يقال أنّها وإن لم تكن كاشفة عن الإرادة الحتمية إلاّ أنّها حجّة بحكم العقل والعقلاء على الوجوب حتّى يظهر خلافه » (٢).
أقول : كلا الوجهين قابلان للمناقشة جدّاً ، لأنّه لا حجّة للعقلاء في باب الألفاظ إلاّمن طريق الدلالة حيث إنّه لا معنى لأماريّة الألفاظ إلاّمن ناحية دلالتها على معنى ، والبناءات العقلائيّة والحجج المعتبرة عندهم في باب الألفاظ لها مجارٍ خاصّة ، فهي إمّا أن تكون من باب الوضع أو من باب مقدّمات الحكمة أو القرينة ، وإذاً لا بدّ من تعيين أحد هذه الطرق حتّى نعيّن كيفية الدلالة ومنشأها.
والحاصل : أنّ بناء العقلاء على الوجوب فرع دلالة هذا اللفظ عليه بأحد أنحاء الدلالة ،
__________________
(١) فوائد الاصول : ج ١ ، ص ١٣٦ ، طبع جماعة المدرّسين.
(٢) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٠٥ ، طبع مهر.