ثمّ إنّ المحقّق العراقي رحمهالله وكذلك صاحب المحاضرات تبعا المحقّق الخراساني رحمهالله في عدم دخل الزمان في معنى الفعل ، أمّا المحاضرات فلا نجد فيه بياناً أكثر ممّا أفاده ، وأمّا المحقّق العراقي رحمهالله فقال ( مضافاً إلى بيان المحقّق الخراساني رحمهالله المذكور ) إنّ للفعل هيئة ومادّة ، والزمان لا يستفاد من المادّة لكونها اسماً ، والاسم لا يدلّ على الزمان ، وكذلك لا يستفاد من الهيئة لكونها من المعاني الحرفيّة والمعنى الحرفي لا يدلّ على الزمان.
وبعبارة اخرى : إنّ دخل الزمان في الفعل إمّا يكون على نهج الجزئيّة ، أو يكون على نحو الشرطيّة ، أو على نحو الحصّة التوأمة ، أمّا عدم كونه جزءً فلما مرّ آنفاً ، وأمّا الأخيرتان فللزوم المجاز في أفعال الله تعالى ونفس الزمان (١). ( انتهى ملخّص كلامه ).
والجواب عنه : إنّا نختار من الصور الثلاثة الصورة الثانيّة وهي الشرطيّة ونقول : إنّ المادّة تدلّ على المبدأ ، وأمّا الهيئة فإنّها تحكي عن النسبة المقيّدة بزمان الماضي أو الحال أو الاستقبال بحيث يكون القيد خارجاً والتقيّد داخلاً ، والجواب عن الأفعال المسندة إلى الله تعالى هو ما مرّ في الجواب عن كلام المحقّق الخراساني رحمهالله بعينه ، مضافاً إلى ما مرّ سابقاً من أنّه لا معنى محصّل للحصّة التوأمة ، فإنّ الإهمال في مقام الثبوت غير ممكن ، فالمعنى إمّا مقيّد أو مطلق ولا ثالث له.
بقي هنا شيء :
وهو أنّ أفعال الله تعالى على قسمين : قسم يرجع إلى صفات الذات فيكون خالية عن الزمان نحو « كان الله » أو « علم الله » ، وقسم يرجع إلى صفات الفعل فيكون الزمان داخلاً فيها قطعاً ، نحو « إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً » أو « رزقني الله ولداً في يوم كذا » فأخذ الزمان فيهما باعتبار وقوع الفتح في السنة السادسة من الهجرة مثلاً ، ووقوع التولّد في يوم كذا ، وكلاهما من الزمانيات فقد أخذ هنا باعتبارهما لا باعتبار ذاته ، وأكثر أفعال الله تعالى من هذا القسم ، والنتيجة أنّ الالتزام بدخالة الزمان في ما وضع له الفعل لا يستلزم كثرة المجاز في الأفعال المنسوبة إلى الباري تعالى ( لو كانت هذه الأفعال مجازاً في حقّه تعالى ) ولا يتحمّل مؤونة كثيرة.
__________________
(١) راجع بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ١٥٩ ، ونهاية الأفكار : ج ١ ، ص ١٢٦ ـ ١٢٧ ( طبع جماعة المدرّسين ).