أمّا الكلام من الحيثية الأولى : فالحق فيه أن الخطابات الأولية لا تعم القبح الفاعلي ، فان الحسن والقبح الفاعلي إنما يكون مترتبا على الخطابات الأولية (١) ومن الانقسامات اللاحقة له ، إذ بعد تعلق الخطابات بموضوعاتها تتحقق رتبة الحسن الفاعلي وقبحه ، فان ذلك يقع في رتبة امتثال تلك الخطابات وعصيانها ، فلا يمكن أن تكون الخطابات مطلقة تعم الحسن الفاعلي وقبحه بالاطلاق والتقييد اللحاظي.
نعم : يمكن ذلك بنتيجة الإطلاق والتقييد (٢) إلا أن دعوى إطلاق تلك الخطابات ولو بنتيجة الإطلاق للفعل الصادر عن الفاعل قبيحا تكون بلا برهان ، بعد ما كانت الخطابات مترتبة على موضوعاتها الواقعية ، والموضوع في مثل قوله ( لا تشرب الخمر ) هو الخمر الواقعي.
نعم : قد يتفق تقييد الخطاب بصورة صدور الفعل عن الفاعل حسنا وعدم صدوره قبيحا ، كما في مثل الصلاة في الدار المغصوبة ، حيث قلنا ببطلان الصلاة فيها عند الالتفات إلى موضوع الغصب وحكمه ، مع أنا نقول : بجواز اجتماع الأمر والنهي (٣) وليس ذلك إلا من جهة أن صدور الصلاة المشتملة على المصلحة من مثل هذا الشخص يكون قبيحا ، فلا تصلح لأن يتقرب بها ، فقد قيدت الصلاة بصورة عدم صدورها عن الفاعل قبيحا بنتيجة التقييد ، كما
________________________
(١) أقول : ما يترتب على الخطاب هو حكم العقل باستحقاق الثواب والعقاب ، لا جهة سوء سريرة الفاعل ، إذ وجودها في ذات الفاعل غير محتاج إلى الخطاب أصلا ، وإن تحقق تكشف عنه في بعض الأحيان. وحينئذ احتمال الكشف في الكلام السابق ملغى. بقى في البين الاحتمالان الأولان ، ولقد تقدم ما فيهما
(٢) أقول : ولقد تقدم الكلام فيه مستقصى ، فراجع. نعم : في صيرورته تحت الخطاب ـ كما أفيد ـ يحتاج إلى متمم الجعل.
(٣) أقول : قد حققنا في محله أنه بناء على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بعنوانين لا معنى لسراية القبح فعليا وفاعليا إلى العنوان الراجح ، فلا معنى لتقييد موضوع الأمر بعدم اقترانه بالحرام ، كما هو الشأن في المتزاحمين ، وإن كان بينهما فرق من جهة أخرى ، فتدبر.