وقيل : إن الخطاب التخييري بنفسه سنخ آخر من الخطاب في مقابل الخطاب التعييني ، لا أنه ينشأ من تقييد الإطلاق ، بل التخييرية والعينية سنخان متباينان بحسب الجعل والإنشاء ، ينشئان عن كيفية تعلق الإرادة الأزلية نحو المراد ، فقد تتعلق الإرادة الأزلية بشيء مخصوص لا يقوم غيره مقامه فيكون واجبا عينيا مطلقا كان أو مشروطا ، وقد تتعلق بأحد الشيئين أو الأشياء التي لم يكن بينها جامع قريب عرفي مقدور للمكلف يكون هو متعلق التكليف ـ كما في أفراد الواجب التخييري العقلي حيث إن التكليف فيه إنما يتعلق بالجامع بينها ـ فيكون واجبا تخييريا ، فالضابط في التخيير الشرعي هو أن لا يكون بين الأفراد جامع أصلا ، أو كان الجامع مجرد وحدة الملاك.
ومحصل القول الثاني هو أن مجرد تقييد إطلاق الخطاب لا يقتضي الوجوب التخييري ما لم يكن في البين اختلاف في سنخ الإرادة وكيفية تعلقها نحو المراد ، وربما نشير إلى الثمرة بين القولين بعد ذلك.
القسم الثاني : ( من أقسام الواجب التخييري ) هو التخيير الناشئ عن
________________________
العدم ، فمثل هذا الوجود في عالم تعلق الطلب به لا يناسب مع جعل عدل له في هذا المقام ، إذ جعل العدل ملازم لجواز تركه في ظرف وجود العدل ، وهذا ينافي مع كون الطلب قائما بشراشر وجوده الموجب لطرد جميع الأعدام ، فلا جرم جعل العديل ملازم مع خروج بعض أنحاء عدم الوجود المزبور عن حيز الطلب ، وهو ملازم لعدم كون الوجود على الإطلاق في حيز الطلب ، بل المطلوب حينئذ حفظ الوجود من سائر الجهات ، وإليه يرجع حقيقة الوجوب التخييري فيصير الامتياز بين التعيين والتخيير بطلب الفعل بنحو يمنع عن جميع أنحاء عدمه أو بنحو لا يمنع عن بعض أنحاء عدمه ، ومن لوازمه جعل بديل له دون الأول ، وحينئذ فامتياز التعيين عن التخيير ليس إلا لشمول الطلب لجهات وجوده وحدوده بأجمعها دون التخييري ، فان الطلب لا يكون حاويا لجميع حدوده الملازم لطرد تمام أنحاء عدمه.
وحيث عرفت ذلك ، ظهر لك : أن حيثية التعينية منتزعة عن جهة وجودية ، وهو شمول الطلب الموجود لجميع حدوده ، لا أنه متقوم بأمر عدمي ، وهو عدم جعل البدل له ، كما توهم. ولعمري! أن « المقرر » في المقام أغمض عن روح البيان واكتفى باللازم بخيال أنه روح المراد وحقيقته ، وهو كما ترى! وسيأتي تتمة الكلام عن قريب إن شاء الله تعالى.