وإن كان للتكليف تعلق بموضوع خارجي ، فيمكن في عالم الثبوت أن يكون التكليف بالنسبة إلى وجود الموضوع مطلقا سواء كان الموضوع موجودا أو لم يكن ـ غايته أنه مع عدم وجوده يجب عليه ايجاده إن كان مما يمكنه ايجاده كسائر مقدمات الواجب المطلق ـ ويمكن أن يكون التكليف بالنسبة إلى الموضوع مشروطا ، ولكن هذا في التكاليف الوجودية المطلوب منها صرف الوجود.
وأما التكاليف العدمية الانحلالية : فالتكليف دائما يكون فيها مشروطا بوجود الموضوع (١) وقد ذكرنا تفصيل ذلك بما لا مزيد عليه في « رسالة المشكوك » نسئل الله تعالى التوفيق لإلحاقها في آخر الكتاب. وعلى كل تقدير : إن كان للتكليف تعلق بموضوع خارجي ، فما لم يعلم
________________________
المفروض كونه غناء ، فدليل الكبرى لا يشمله ، ومع عدم شموله ـ ولو من جهة الشك في انطباق العنوان عليه ـ لا يصلح لبيانية حكمه ، فيبقى حكم هذه الشبهة الموضوعية تحت « قبح العقاب بلا بيان » إذ مثل هذا البيان كناية الحجة الموجبة لاستحقاق العقوبة ، فمع عدم حجية الخطاب بالنسبة إليه لا قصور في شمول القاعدة لمثله. وما توهم في أمثال ذلك : من عدم تصور الشبهة الموضوعية ، غلط فاحش ، كيف! وكل خبر لم يعلم كذبه من الشبهة الموضوعية وكل صوت لم يعلم فيه ترجيع من الشبهة الموضوعية ، وقس عليه نظائرها من سائر المحرمات من الزنا واللواط وغيرها.
١ ـ أقول : في التكاليف العدمية التي لها تعلق بموضوع خارجي مثل « لا تشرب الخمر » لو كان حرمة الشرب بفعله منوطا شرعا بوجود الخمر يلزم عدم حرمة مقدمات تحصيل الخمر في ظرف يستتبع الشرب قهرا بحصوله ، ولا أظن التزامه من أحد ، فذلك برهان جزمي بأن حرمة شربه غير منوط بوجوده ، غاية الأمر عند عدم حصوله قهرا يسقط التكليف من جهة العجز ، لا من جهة فقد شرطه شرعا ، كما أنه مع التمكن من تحصيله إذا حصله فمع بقاء القدرة على ترك الشرب لا ضير فيه ، لأن المقصود من التكاليف التحريمية مجرد ترك المبغوض خارجا ، فما دامت القدرة على تفويت الشرب باقية لا بأس بايجاد سائر المقدمات ، وهذا المقدار لا يقتضي اشتراط التكليف بوجود الموضوع ، بل لنا أن نقول : إن في كلية التكاليف التحريمية المتعلقة بالغير لا يكون من باب اشتراطها بوجود المتعلق ، بل وجود المتعلق من حدود المكلف به وقيود موضوعه ، ولازمه ما ذكرناه.
ثم إن من نتائج ما ذكرنا هو أن في فرض الشك في المتعلق ـ كالخمر في المثال ـ لا يكون المقام كسائر موارد الشك في شرط التكليف الموجب للشك في أصل توجه التكليف ، بل يكون من باب الشك في مصداق الخطاب المتوجه إلينا جزما ، لكن حيث إن الخطاب انحلالي لا يكون بالنسبة إلى هذا المشكوك حجة ، وحينئذ فالمسلكان مشتركان في عدم حجية الخطاب عند الشك في المتعلق لكن مختلفان في وجه عدم الحجية.