قال قدسسره : « ودعوى أن حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلي فلا يقبح بعده المؤاخذة مدفوعة بأن الحكم المذكورة على تقدير ثبوته لا يكون بيانا للتكليف المجهول المعاقب عليه ، وإنما هو بيان لقاعدة كلية ظاهرية وإن لم يكن في مورده تكليف في الواقع ، فلو تمت عوقب على مخالفتها » إلى أن قال : « وإن أريد بها مضرة أخرى غير العقاب التي لا يتوقف ثبوتها على العلم ، فهو وإن كان محتملا لا يرتفع احتماله بقبح العقاب من غير بيان ، إلا أن الشبهة من هذه الجهة موضوعية » إلى آخر ما أفاده.
والإنصاف : أنه ما كنا نترقب من الشيخ قدسسره ذلك (١) فان حكم العقل بقبح الإقدام على ما يحتمل فيه الضرر العقابي إنما يكون إرشادا محضا لا يمكن أن يستتبع حكما مولويا شرعيا ، فكيف يمكن أن يكون العقاب على مخالفته وإن لم يكن في مورده تكليف واقعي؟ وكيف صار هذا الحكم العقلي من القواعد الظاهرية؟ مع أن مخالفة الأحكام الظاهرية لا تستتبع
________________________
١ ـ أقول : لا نفهم من كلمات الشيخ قدسسره أزيد مما أخذت بقوله : والحاصل إلى آخره ، وأن قوله : « وإنما هو بيان لقاعدة كلية ظاهرية » مبنى على تسليم البيانية ولا يكون إرشادا ، لا أنه مسلم عنده ، كيف! وصريح كلماته في الشبهة المحصورة وغيرها إرشادية هذا الحكم بالنسبة إلى احتمال العقاب ، كما أن لازم كونه حكما مولويا ظاهريا الالتزام بالعقوبة على نفسه ولو لم يكن في الواقع تكليف ، كما هو شأن موضوعية الطريق عند المخالفة.
وتوهم : أن الأحكام الظاهرية لا يعاقب عليها عند مخالفتها للواقع ، صحيح في الأوامر الطرقية لا في الأوامر النفسية المجعولة نفسيا في ظرف الجهل بالحكم.
وما أفيد أيضا بأن في الأصول الغير المحرزة يعاقب على مخالفتها بشرط وجود التكليف في موردها ، كلام ظاهري ، إذ الأمر في هذه القاعدة إن كان طريقيا يعاقب على الواقع ، وإن كان نفسيا يعاقب على نفسها وإن خالف الواقع. ولا نرى وجها لهذا الشرط الضمني ولا طعنا على مثل هذا « المؤسس » بعدم ترقبه منه صدور هذا الكلام ، ولقد صدر نظيره في ايجاب الاحتياط الشرعي ردا على الأخباريين أيضا.
نعم : الذي يرد عليه هو الذي أشرنا في ذيل قول المقرر « والحاصل الخ » وهو أن مجرد كونه حكما في ظرف الشك لا يقتضي أن يكون ايجابا نفسيا موجبا للعقوبة على نفسه مطلقا ، بل من الممكن كون أمره طريقيا حاكيا عن الإرادة الواقعية في ظرف الجهل بها وترخيصا محضا عند مخالفته للواقع ، وبه أجبنا عما أفاده في منع بيانية ايجاب الاحتياط الشرعي أيضا ، كما لا يخفى.