وهو مقدمات الانسداد الثاني أو الثالث أيضا إن وصلت النوبة إليه.
فيرد عليه : أن إجراء مقدمات الانسداد الثاني والثالث يتوقف على بقاء النتيجة مهملة بحيث لا يمكن تعيينها إلا بمقدمات انسداد آخر ، وليس كذلك ، فإنه بمجرد عدم ثبوت مرجح لبعض أفراد الظنون يستقل العقل بعموم النتيجة لكل ظن ، لقبح الترجيح بلا مرجح ، فلا إهمال حتى نحتاج إلى مقدمات انسداد آخر.
فان قلت : يمكن قلب الدليل بأن يقال : إن حكم العقل بعموم النتيجة موقوف على ثبوت المرجح لبعض أفراد الظنون وبمعونة الانسداد الثاني يثبت المرجح لمظنون الاعتبار ، فيرتفع موضوع حكم العقل بالتعميم الذي كان مبنيا على قبح الترجيح بلا مرجح.
وبالجملة : كما يصح أن يقال : إن العقل يستقل بعموم النتيجة لكل ظن بمجرد عدم ثبوت المرجح لبعض أفراد الظنون فلا إهمال حتى نحتاج إلى دليل الانسداد ، كذلك يصح أن يقال : إن العقل يستقل ببركة مقدمات الانسداد بترجيح مظنون الاعتبار ، فلا قبح في ترجيحه ، فلا تعميم في النتيجة.
قلت : حكم العقل بالتعميم مقدم بالرتبة على حكمه بترجيح مظنون الاعتبار بمعونة مقدمات الانسداد الثاني ، لما عرفت سابقا : من أن نتيجة مقدمات الانسداد لابد من أن تكون واصلة إلى المكلف إما بنفسها وإما بطريقها (١) فإنه لا أثر لترتيب مقدمات لا تكون النتيجة منها واصلة لا بنفسها
________________________
١ ـ أقول : قد عرفت سابقا : أن النوبة لا ينتهى إلى تشكيل مقدمات الانسداد في الطرق إلا في فرض كون النتيجة الطريق الواصل بطريقه ، وهو لا يمكن إلا بعدم ايكال الشرع في تعين طريقه في الانسداد الأول إلى المقدمة الرابعة ، وإلا فلا يبقى معه مجال الإهمال ، إذ العقل مستقل بالتعميم لو لم يكن في البين أقرب إلى الواقع أو ببدله ، فيعين فيه مع وفائه بالفقه ، فتكون النتيجة حينئذ الطريق الواصل بنفسه.
كما أن الانسداد الثاني أيضا مشروط بايكال العقل في تعيين الطريق في الانسداد الثاني إلى المقدمة الرابعة من الأخذ بما هو أقرب الطرق إلى الطريق المجعول بالانسداد الأول ، وإلا فلا يكاد ينتهى النوبة إلى جريان