وعلى كل تقدير : الصواب في الجواب عن الترجيح بمظنون الاعتبار ، هو أن يقال : إنه إن كان المراد من الترجيح بمظنون الاعتبار أن مجرد الظن باعتبار ظن ـ وإن لم يقم دليل على اعتبار الظن ـ يكفي في صرف القضية المهملة ويقتضي أن تكون نتيجة دليل الانسداد خصوص الظن الذي ظن باعتباره ، فهو مما لا يمكن المساعدة عليه ، فان تعيين القضية المهملة لابد وأن يكون بمعين قطعي الاعتبار (١) حتى لا يلزم الترجيح بلا مرجح ، فلا يجوز الترجيح بكل مزية ما لم يقم دليل على اعتبارها.
وتوهم : أن رجحان الظن الذي ظن باعتباره على مشكوك الاعتبار وموهومه أمر قطعي وجداني فلابد وأن يكون مرجحا ومعينا للقضية المهملة ، واضح الفساد ، فان رجحان مظنون الاعتبار على أخويه وإن كان وجدانيا قطعيا ، إلا أن كونه مرجحا ومعينا للقضية المهملة ليس قطعيا بعد عدم قيام الدليل على الترجيح به ، لما عرفت : من أنه ليس كل مزية تقتضي الترجيح.
________________________
١ ـ أقول : قد أشرنا إليه سابقا أيضا : من أنه لو فرض أقربية المظنون الاعتبار إلى الواقع بجبرانه ، فبذاك المناط الذي يحكم العقل بتعين الأخذ بالظن من بين المحتملات ـ ولو بحكم المقدمة الرابعة ـ لابد وأن يؤخذ بكل ما هو أقرب إلى الواقع بجبرانه وجدانا ، وهو منحصر بمظنون الاعتبار. ولا يحتاج هذا التعيين حينئذ إلى دليل خارجي ، كما لا يخفى.
نعم : في المقام شيء ، وهو أن الترجيح بمظنون الاعتبار بالتقريب المتقدم مبنى على كون النتيجة الطريق الواصل بنفسه ، وإلا فلو احتمل كونها هي الطريق الواصل بطريقه ، فلا يكفي حينئذ الترجيح المزبور لإثبات حجية هذا الظن ولو بإجراء مقدمات الانسداد في تعيين الطريق مرة أو مرارا إلى أن ينتهى إلى ظن واحد أو ظنون متساوية ، كما إنه لو احتمل كون النتيجة الطريق الغير الواصل رأسا ، فلا مجال لإجراء مقدمات الانسداد أيضا ، لأن لازمه عدم إيكال الشارع تعين طريقه إلى حكم العقل بمقتضى المقدمة الرابعة في الانسداد الأولى ولا إليه في الانسداد في الطرق ، فلا محيص إلا من الاحتياط في دائرة الطرق ولو تبعيضا تخييريا بلا تعيين حسب الفرض ، وحينئذ لنا أن نقول : إن النوبة لا تنتهي إلى الاحتياط إلا بعد عدم إيكال الشارع إلى حكم العقل بمقتضى المقدمة الرابعة ، ولازمه أيضا عدم تخصيص الاحتياط في خصوص المظنون ، لما عرفت : أنه من تبعات الايكال ] إلى مقدمات الانسداد ثانيا مع الايكال في سابقه ] إلى المقدمة الرابعة ، والفرض إنه مع ايكاله إليها لا يبقى مجال الاحتياط كما لا مجال لإجراء مقدمات الانسداد ثانيا مع الايكال في سابقه إلى المقدمة الرابعة ، ومع عدمه لا يختص أيضا بما ظن [ في ] حجيته بالانسداد الثاني بخصوص الظنون.