الوجه الثالث : ( من وجوه الترجيح ) هو أن بعض الظنون مظنون الحجية والاعتبار ، فيكون أولى من غيره ، وقد ذكر للأولوية وجهان :
أحدهما : كون مظنون الحجية أقرب إلى الحجية ، فيجب صرف القضية المهملة إلى ما هو الأقرب إلى الحجية.
ثانيهما : انه أقرب إلى إحراز مصلحة الواقع ، لأن الظن بحجية ظن من الأمارات التي تفيد الظن بالواقع ، فيكون ما ظن بحجيته للواقع أقرب إلى الواقع ، وأقرب إلى إدراك مصلحة بدل الواقع على تقدير التخلف ، لأن الظن بحجية ظن يلازم الظن بحصول المصلحة السلوكية على تقدير مخالفته للواقع ، فيكون احتمال فوات الواقع وبدله موهوما في موهوم ، وهذا بخلاف الظن الحاصل من أمارة لم يظن بحجيتها ، فإنه ليس فيه إلا الظن بمطابقة الواقع فقط ، ولا إشكال أنه لو دار الأمر بين العمل بما يظن معه إدراك الواقع أو بدله وبين العمل بما يظن معه إدراك الواقع فقط ، يتعين العمل بما يظن معه إدراك الواقع أو بدله ، فتكون النتيجة خصوص مظنون الحجية لا كل ظن (١).
وقد أفاد الشيخ قدسسره في تضعيف هذا الوجه بما حاصله : أن ما ذكر في الوجه الثاني من وجهي اعتبار مظنون الحجية لا يقتضي تعيين العمل بخصوص مظنون الحجية ، بل أقصى ما يفيده هو أن العمل بما ظن حجيته أولى من العمل بما لا يظن حجيته ، لا أنه يتعين ذلك ، مع أن هذا الوجه يرجع في
________________________
١ ـ لا يخفى أن الفرق بين ما تقدم من « صاحب الفصول » و « المحقق » من اعتبار خصوص الظن بالطريق وبين ما قيل في المقام : من اعتبار خصوص مظنون الاعتبار في مقام تعيين النتيجة ـ بناء على كونها مهملة ـ هو أن ما تقدم من المحقق وأخيه كان مبنيا على أن مقدمات الانسداد لا تقتضي إلا خصوص الظن بالطريق ، سواء حصل معه الظن بالواقع أو لم يحصل. وأما ما قيل في المقام : فإنما هو بعد الفراغ عن كون النتيجة هو الظن بالواقع ، ولكن حيث كانت النتيجة مهملة ، فالواجب هو العمل بالظن بالواقع الذي ظن بحجيته واعتباره ، فتكون النتيجة اجتماعهما معا ( منه )