كان اللازم هو التبعيض في الاحتياط وكان دليل الانسداد عقيما لا تصل النوبة إلى المقدمة الرابعة لأخذ النتيجة كشفا أو حكومة (١) بل يقف الدليل على المقدمة الثالثة ، كما تقدم بيانه.
فالعمدة في بطلان الاحتياط إنما كان هو الإجماع على أن بناء الشريعة ليس على الإتيان بالمحتملات وامتثال التكاليف على سبيل الاحتمال وأنه لابد من امتثال كل تكليف بعنوانه الخاص ، وقيام الإجماع على هذا الوجه هو الذي كان يقتضي الانتقال من المقدمة الثالثة إلى المقدمة الرابعة لأخذ النتيجة ، ولذلك بنينا على الكشف وأبطلنا الحكومة ، لأن قيام الإجماع على هذا الوجه يلازم جعل الشارع حجية الظن ونصبه طريقا إلى التكاليف ، كما اعترف هو قدسسره بذلك فيما تقدم من قوله : « قلت : مرجع الإجماع قطعيا كان أو ظنيا الخ » ومفاد هذا الإجماع بطلان الاحتياط في كل مسألة مسألة لا في مجموع المسائل ، فان كل تكليف في كل واقعة يقتضي الإتيان به بعنوانه الخاص ، فلا يجوز الاحتياط ولو في مسألة واحدة.
وأما عدم جواز الرجوع إلى البراءة في الوقايع المشتبهة : فالدليل فيه أيضا لا ينحصر بلزوم المخالفة القطعية الكثيرة المعبر عنها بلزوم الخروج عن الدين ، حتى يقال : إن المخالفة الكثيرة إنما تلزم من الرجوع إلى البراءة في مجموع الوقايع
________________________
١ ـ أقول : مقتضى التبعيض في الاحتياط بحكم العقل هو التخيير بين المحتملات في الاحتياط التبعيضي ، وهذا التخيير من جهة عدم مرجح في البين ، فإذا فرض وجود المقدمة الرابعة فهي معينة في خصوص الظنون ، من دون فرق بين كون هذا التبعيض بمناط منجزية العلم الإجمالي ، أو بمناط منجزية الاحتمال في كل مسألة.
نعم : فرق بين الصورتين في أنه على فرض منجزية العلم فمرجعية الظن بحكم المقدمة الرابعة إنما هو في مقام إسقاط التكليف لا إثباته ، بخلافه على فرض منجزية الاحتمال في كل مسألة ، فان المقدمة الرابعة تعين الظن في الحجية.
نعم : بناء على الأول لا يكون مقدمات الانسداد نتيجة لحجية الظن إثباتا ، وهذا موجب لحجيته كشفا أم حكومة ، فيحتاج إلى المقدمة الرابعة على كل حال.