وإمّا بفعل ما حكم حكما جعليا بأنه نفس المراد وهو مضمون الطرق المجعولة ، فتفريغ الذمة بهذا ـ على مذهب المخطئة ـ من حيث إنه نفس المراد الواقعي بجعل الشارع ، لا من حيث إنه شيء مستقل في مقابل المراد الواقعي ، فضلا عن أن يكون هو المناط في لزوم تحصيل العلم واليقين » انتهى.
فلا معنى لجعل الطرق في عرض الواقع والتخيير بينهما ، بل إجزاء العمل بالطرق إنما يكون باعتبار أن مؤداها هو الواقع بجعل الشارع والحكم بالهوهوية ، وعلى ذلك يبتني عدم الإجزاء ووجوب الإعادة والقضاء عند انكشاف مخالفة الطريق للواقع ـ كما عليه أصول المخطئة ـ فالتخيير بين العمل بالطريق وبين تحصيل العلم بالواقع في صورة انفتاح باب العلم ليس من باب التخيير بين فردي الواجب المخير ـ نظير خصال الكفارة ـ بل من باب اتحاد مفاد أحدهما للآخر بحسب الجعل الشرعي ، فقوله في طي كلامه « إن الواجب أولا هو تحصيل اليقين بتحصيل الأحكام وأداء الأعمال على وجه أراده الشارع في الظاهر وحكم معه بتفريغ ذمتنا بملاحظة الطرق المقررة لمعرفتها مما جعلها وسيلة للوصول إليها سواء علم بمطابقة الواقع أو ظن ذلك أو لم يحصل شيء منهما » مما لا يستقيم ولا يقتضيه مذهب المخطئة.
وأمّا المقدمة الثالثة : ففيها أن الظن بالواقع ملازم للظن بالفراغ في
________________________
حجية هذا الظن بمقدمات الانسداد ، كي بالأخرة ينتهى إلى القطع بالفراغ. ومعلوم : أن المقدمات المزبورة لو اقتضت حجية مثل هذا الظن ، يقتضي حجية الظن بالواقع أيضا ، إذ نتيجة المقدمات قيام الظن مقام العلم بشيء في ظرف انسداده ، فكما أن العلم بأداء الواقع الجعلي يجدى ، كذلك الظن بأداء الواقع الحقيقي ، إذ بكل واحد يحصل الفراغ اليقيني ، كيف! ولو لم ينتهى الأمر بالأخرة إلى الفراغ اليقيني ، فالظن بالحجية أيضا لا يجدى شيئا ، إذ لا يكتفى العقل بغير الفراغ اليقيني في أي مورد ، وحينئذ فمع لا بدية انتهاء النوبة إلى حجية هذا الظن مقدمة للفراغ اليقيني كذلك لو انتهى النوبة إلى حجية الظن بأداء الواقع تنتهي النوبة أيضا إلى الفراغ اليقيني ، وبعد فرض عدم العلم بجعل طريق لا يفرق مقدمات الانسداد لحجية أي واحد من الظنين ، كما لا يخفى ، فتدبر.