المقدمة الثانية « وهي عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة » العلم الإجمالي واقتضائه الاحتياط في المظنونات والمشكوكات والموهومات ، فان الاحتياط في الجميع مستلزم للعسر والحرج ، وبعد ضم أدلة نفيهما إلى ما يستقل العقل به ـ من الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي ـ تكون النتيجة التبعيض في الاحتياط بترك الاحتياط في الموهومات إذا لم يلزم من الاحتياط في المظنونات والمشكوكات العسر والحرج ، وإلا فيجب الاحتياط في المظنونات فقط أو مع بعض المشكوكات ، إلا أن يقوم إجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات ولو لم يستلزم الاحتياط فيها العسر والحرج ، وإلا كان اللازم الاحتياط في المظنونات فقط إذا كان مفاد الإجماع مجرد عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات ، فان حال المظنونات يكون في حال أحد الإنائات الثلاثة التي علم بنجاسة أحدها مع الاضطرار إلى الاقتحام في أحدها المعين وقيام الدليل على جواز الاقتحام على الآخر (١) فإنه يجب الاجتناب عن الثالث مخافة أن يكون هو النجس المعلوم بالإجمال في البين ، ففي المقام يجب الاحتياط في المظنونات بعد قيام الإجماع بجواز ترك الاحتياط في المشكوكات وكان الاحتياط في الموهومات
________________________
١ ـ أقول : مع فرض احتمال كون النجاسة في المحتمل المعين ومقارنا مع العلم كان المحتمل المزبور مضطرا إليه ، فهل هذا الاضطرار لم يكن قائما بموضوع المحتمل على الإطلاق؟ ومع قيامه فهل فيه قصور في نفي التكليف عن المضطر إليه بالخصوص؟ ومع عدم قصوره فمن أين يبقى علم إجمالي بتكليف فعلى بعده؟ وحينئذ من أين يجئ التبعيض وإلزام العقل بلزوم حفظ البقية؟.
فان قلت : أن المصلحة إذا كان معلوما في كل واحد من الطرفين ، فمع الشك في طرو المانع عن هذه المصلحة في تأثيره فالعقل يحكم في مثله بالاحتياط لا البراءة ، ، نظير الشك في القدرة.
قلت : ما أفيد تمام لو كان الطرف الآخر مما كان المقتضى فيه محرزا وأن الشك كان ممحضا في المانع وأما إذا فرضنا بأن الشك في الطرف الآخر شك في أصل المصلحة وإنما علم إجمالا بتكليف فعلى في كل طرف بمعنى احتمال انطباقه في كل طرف ، فمع فرض ذهاب العلم المزبور بواسطة الاضطرار في المعين ، فلا يبقى مجال لجريان الاحتياط في الطرف الآخر مع فرض الشك في أصل اقتضائه ، ومن هذه الجهة نقول : إنه لو فرض خروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء فضلا عن القدرة مقارنا بالعلم وكان معينا لا مجال للاحتياط في الطرف الآخر ، كما هو ظاهر على من يرجع كلماتهم في الشبهة المحصورة ، فتدبر.