الإضطرار ، سواء كان الاضطرار من جهة لزوم الضرر أو العسر والحرج أو غير ذلك من الأسباب ، وسواء كان الاضطرار إلى البعض المعين أو غير المعين (١) غايته أنه إذا كان إلى المعين يتعين دفع الاضطرار به بخصوصه ، وإن كان إلى غير المعين يكون المكلف بالخيار في دفع الاضطرار بكل واحد من الأطراف ، وليس له التعدي عن غير ما يدفع به الضرورة ، فان مقتضى العلم الإجمالي عقلا هو لزوم الخروج عن عهدة التكليف المعلوم بالإجمال بأي وجه اتفق ، لأن المفروض أن العلم الإجمالي كالتفصيلي يقتضي التنجيز ، فبمجرد العلم الإجمالي يتنجز التكليف ، غايته لو صادف دفع الاضطرار بمتعلق التكليف كان ذلك موجباً
________________________
١ ـ أقول : إذا كان الاضطرار مقارنا للعلم وكان متعلقا بطرف معين ، كيف يمكن دعوى منجزية العلم الإجمالي بالنسبة إلى الطرف الآخر ، إذ بالاضطرار المزبور بعد فرض سرايته إلى الواقع على فرض وجوده في المضطر إليه يرتفع العلم الإجمالي بالتكليف ، ومع ارتفاعه لا يبقى مجال وجوب الاحتياط عن الطرف الآخر ، لكون الشبهة بدويا ، كما هو الشأن في خروجه من محل الابتلاء.
نعم : ما أفيد صحيح بالنسبة إلى الاضطرار بغير المعين ، فإن هذا الاضطرار مانع عن الجمع بين المحتملين ، ولازمه كون سرايته إلى الواقع رافعا لإطلاق التكليف في كل طرف ، بنحو يقتضي وجوب إتيانه ولو في حال وجود الآخر. وبهذا الإطلاق يحكم العقل أيضا بالجمع بين المحتملين ، فإذا ارتفع إطلاق التكليف لا أصل التكليف فالعلم الإجمالي بأصل التكليف في كل واحد من الطرفين باق ، غايته في كل واحد مشروط بعدم اتيان غيره ، ولازمه إلزام العقل بعدم تركهما ، ولازمه في هذا الظرف التخيير في إتيان أحد الطرفين ، إذ بهذا المقدار يقطع بالخروج عن عهدة المعلوم بالإجمال. وبمثل هذا البيان أيضا حققنا المسألة في باب الاشتغال ، فراجع.
ثم أقول : إن ما أفيد من تعين الظن بمقتضى ما ذكرنا إنما يتم على فرض الالتزام بالعلم بتكليف مطلق في المظنونات مثلا ومقيد في غيره بنحو الترتب ، كي يبقى العلم الإجمالي بحاله ، وإلا فمع تعين الترخيص في خصوص الأبعد مطلقا يرتفع العلم أيضا رأسا ، ولا يبقى مجال الأخذ بالمظنون ، ولكن هذا الالتزام بالترتب أيضا ينتج لزوم العمل بالأبعد في ظرف مخالفة الأقرب ، وهو أيضا خلاف مسلك أهل الانسداد ، وبنائهم على الرخصة في ترك الأبعد مطلقا ، وحينئذ مثل هذا الممشى لا يتم حتى بناء على اقتضاء العلم الإجمالي في المنجزية ، فضلا عن العلية ، لأن الترخيص المطلق ملازم لمنع التكليف في مورده على الإطلاق ، ومعه لا يبقى علم إجمالي بالتكليف أصلا ، وعليه فلا يكاد انتهاء النوبة على مسلك منجزية العلم الإجمالي وأدلة الحرج إلى مرام القائل بالتبعيض ومرجعية الظن في حال الانسداد والترخيص في غيره مطلقا ، فتدبر فيما ذكرنا ، ولا يغرك طول البيان وتفصيله الغير المنتهى إلى مفهوم محصّل!.