الإحتياط إذا كان بطلانه في جميع الوقايع من جهة قيام الإجماع على أن بناء الشريعة على الإتيان بكل تكليف بعنوانه ، بل لأجل كشف ذلك عن أن الشارع جعل الظن طريقا محرزا للواقع مثبتا للتكاليف المعلومة بالإجمال. وليس وجوب العمل بالمظنونات أيضا لأجل حكم العقل بلزوم التنزل إلى الامتثال الظني عند تعذر الامتثال العلمي ، فان الامتثال في الامتثال الظني أيضا يكون بنحو الاحتمال الذي فرضنا أن بناء الشريعة ليس على ذلك.
فالامتثال الظني مما لا يمكن أن يحكم العقل به مع انعقاد الإجماع على وجوب الإتيان بكل تكليف بما هو هو لا بما أنه محتمل ، وإنما يحكم العقل بالامتثال الظني في الشبهات الموضوعية عند تعذر الامتثال العلمي أو تعسره ، كموارد الجهل بالقبلة ، وكتردد الفوائت اليومية بين الأقل والأكثر ، ونحو ذلك من موارد اشتباه المكلف به لأجل الشبهة الموضوعية ، فان العقل يستقل بلزوم الإطاعة والامتثال الظني مع تعذر الامتثال العلمي والإجمالي ، وهذا أجنبي عن المقام ، فان العمل بالمظنونات لا يلازم الظن بامتثال التكاليف المنتشرة في الوقايع المشتبهة ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح ( إن شاء الله تعالى ).
والغرض في المقام مجرد بيان أن قيام الإجماع على الوجه الثاني ، وهو وجوب امتثال التكاليف بعناوينها الخاصة (١) يكشف كشفا قطعيا على أن
________________________
١ ـ أقول : اقتضاء الإجماع على عدم بناء الشرع على الإتيان بمحتمل التكليف بما هو محتمل حجية الظن بلا واسطة شيء مساوق دعوى الإجماع على حجية الظن ، فيخرج حينئذ من نتيجة دليل الانسداد ، فلا محيص من كون هذا الاقتضاء بواسطة ضم بقية المقدمات ، ومرجعه بالأخرة إلى العلم بجعل وسط في البين الموجب لعدم الأخذ بجميع المحتملات ، فيؤخذ بالأقرب بمقتضى المقدمة الرابعة ، وحينئذ لنا أن نقول : إن هذا العلم الإجمالي لولا منجزيته وموصليته لهذا الجعل لما يكون مجرد الوسطية بوجوده الواقعي منجزا للواقع.
وحينئذ لنا أن نقول : أن منجزية هذا العلم فرع كون المدرك لبطلان الخروج عن الدين هذا العلم ، ومع فرض عدمه وكشف منجز آخر خرج هذا العلم عن المنجزية والموصلية ، فتحتاج في تعيين الوسط المجعول وايصاله إلى منجز آخر ، وهذا المنجز أيضا لا يمكن أن يجعل وسطا آخر في تعين الوسط الأول ، وإلا فهلم جرا ، فلا محيص من انتهاء الأمر إلى حكم العقل واستقلاله بكون الموصل للوسط المجعول هو الظن ، فانتهى الأمر بالأخرة إلى لزوم