السابقة في بعض الموارد التي يجرى فيها استصحاب بقاء الحكم ، وإنكار حصول العلم بذلك للمجتهد قبل خوضه في الاستنباط مكابرة واضحة ، والعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الاستصحابات يمنع عن جريان الاستصحاب في كل شبهة في موطنه ، وعدم فعلية الشك في جميع الموارد لعدم الالتفات إليها تفصيلا قبل الاستنباط لا يوجب عدم حصول العلم قبل الاستنباط بمخالفة بعض مؤديات الاستصحاب للواقع في موطن الاستنباط مع كون المسائل التي يخوض فيها للاستنباط مما تعم بها البلوى ولو بالنسبة إلى بعض المقلدين : ومع هذا كيف يصح للمجتهد الافتاء بمقتضى الاستصحابات والحال أنه يعلم بالخلاف ولو في بعضها؟.
والحاصل : أن فعلية الشك في كل شبهة وإن كانت شرطا لجريان الاستصحاب فيها ، وهي تتوقف على الالتفات إلى الشبهة ، إلا أن المفروض حصول العلم بفساد بعض الاستصحابات قبل وصول النوبة إلى جريانه في موطنه ، وهذا العلم هو المانع عن جريان كل استصحاب في موطنه (١).
فالتحقيق : أنه لا يجوز الرجوع في كل شبهة إلى الأصل الجاري فيها مع قطع النظر عن انضمام ساير الشبهات إليها لا إلى الأصول النافية ولا إلى الأصول المثبتة. أما الأصول النافية : فللعلم بثبوت التكليف في موردها ، فيلزم
________________________
١ ـ أقول : حصول العلم بالانتقاض في زمان مع عدم بقائه في زمان آخر كيف يجدى في منع جريان الأصل في الزمان الآخر؟ بل المانع عن الجريان هو العلم بالانتقاض في زمان الابتلاء باجراء الأصل ، لا قبله ولا بعده ، وحينئذ فمع غفلة المجرى للاستصحاب في مورد عن الشك بالبقاء في مورد آخر كيف يعلم حين إجرائه الأصل بانتقاض أحد الأصلين؟ ولو علم به قبله ، إذ بمحض الغفلة المزبورة يرتفع العلم السابق ، ومع انعدامه كيف يصلح أن يكون مانعا عن جريان الأصل فعلا؟ فتدبر فيما أفيد.
كيف! ولم يلتزم أحد بمانعية العلم السابق ، حتى لو فرض سريان الشك إليه حال جريان الأصل ، إذ لا يتوهم ذلك ذو مسكة ، وحينئذ لنا سؤال الفرق بين انعدام العلم السابق بسريان الشك إليه لاحقا ، أو بغفلته عن الشك الآخر الموجب للغفلة عن أصله الذي هو طرف علمه ، إذ بمثل هذه الغفلة أيضا يرتفع العلم السابق جزما.