فانّ المسألة لم تكن معنونة عند العلماء أجمع ولم يقع البحث عنها في قديم الزمان عند أرباب الفتوى ، إلا أنه يكفي الإجماع التقديري ، فإنه رب مسألة لم يقع البحث عنها في كلمات الأصحاب ، إلا أنه مما يعلم إجماعهم واتفاقهم عليها ، فإنه لا يكاد يمكن إسناد جواز الاعتماد على أصالة العدم وطرح جميع الأحكام في الوقايع المشتبهة إلى أحد من أصاغر الطلبة فضلا عن أرباب الفتوى.
الثاني : انه يلزم من الرجوع إلى البراءة وأصالة العدم في الوقايع المشتبهة الخروج عن الدين ، لقلة الأحكام المعلومة بالتفصيل ، فالاقتصار عليها وترك التعرض للوقايع المشتبهة وإهمالها يوجب المخالفة الكثيرة القطعية ، بحيث يعد المقتصر على امتثال المعلومات خارجا عن الدين وكأنه غير ملتزم بشريعة سيد المرسلين صلىاللهعليهوآله وهذا بنفسه محذور يعلم أنه مرغوب عنه شرعا ، وإن لم نقل بأن العلم الإجمالي منجز للتكليف ـ كما هو مبنى الوجه الثالث ـ فان المخالفة القطعية الكثيرة والخروج عن الدين بنفسه مما يقطع بكونه مرغوبا عنه عند الشارع ومخالف لضرورة الدين والشريعة ، ويكفيك شاهدا على ذلك ملاحظة كلمات الأعلام كالسيد والشيخ ( قدس سرهما ) وغيرهما ، فراجع « الفرائد ».
الثالث : العلم الإجمالي بثبوت التكاليف الوجوبية والتحريمية في الوقايع المشتبهة (١) والعلم الإجمالي كالعلم التفصيلي يقتضي وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية ، فلا تجرى الأصول النافية للتكليف في أطرافه ،
________________________
الشأن في كثير من الإجماعات المحتمل كون مدركهم وجها من الوجوه الجارية في المسألة ، كما لا يخفى.
١ ـ أقول : بعد ثبوت محذور الخروج عن الدين وان لم يكن علم إجمالي في البين أو قلنا بعدم منجزيته رأسا ، فلا محيص من كشف مرجع في إثبات التكاليف الواقعية بالمقدار الوافي ، ومع ذلك غير خفى بأنه لا يبقى مجال لمناط منجزية العلم الإجمالي ، لانحلاله ، وحينئذ لا يمكن الجمع بين هذا الوجه وسابقه ، لكمال التضاد بينهما ، كما لا يخفى.