إهمال الاحكام الواقعية وترك التعرض لها ، إذ لولا ذلك لم يبق مجال لبقية المقدمات لكل من يقول : إنه يجب الأخذ بمظنون الصدور ، أو يقول : إنه يجب الأخذ بمظنون الطريق ، أو يقول : إن يجب الأخذ بمظنون الحكم ، أن يحوم حول امتثال الأحكام الواقعية وعدم جواز إهمالها ، إذ ليس للعمل بمظنون الصدور أو مظنون الطريق خصوصية سوى كونه طريقا إلى الواقع ومحرزا له. وعليه كان الواجب ترتيب مقدمات الانسداد بالنسبة إلى نفس الأحكام لاستنتاج حجية الظن بها ، ولا أثر لترتيب مقدمات الانسداد بالنسبة إلى ما صدر عنهم من الأخبار أو ما نصب من الطرق.
فان قلت : نعم ، الواجب أولا وبالذات وإن كان هو امتثال الأحكام الواقعية المعلومة بالإجمال في الوقايع المشتبهة ، إلا أنه حيث علم بصدور غالب ما بأيدينا من الأخبار بقدر المعلوم بالإجمال من الأحكام الواقعية ، فالعلم الإجمالي بها ينحل إلى العلم التفصيلي بوجوب العمل على طبق الأحكام الظاهرية التي هي فيما بين الأخبار المودعة في الكتب والشك البدوي بالنسبة إلى ما عداها من الوقايع المشتبهة ، وحيث لم يتمكن من احراز تلك الأحكام الظاهرية تفصيلا ولم يمكن أو لم يجب الاحتياط في العمل بجميع الأخبار المودعة في الكتب وجب التنزل إلى الظن بالحكم الظاهري ، وهو المراد من الظن بالصدور ، فلا يبقى موقع للانسداد الكبير ، لأن مبناه العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في الوقايع المشتبهة ، وقد انحل ببركة العلم بثبوت التكاليف الظاهرية في الأخبار المودعة.
قلت : مجرد العلم بصدور جملة من الأخبار التي بأيدينا لا يقتضي أن يترتب على الأخبار الصادرة آثار الأحكام الظاهرية ، فان الحكم الظاهري يتوقف على العلم به موضوعا وحكما ، لا أقول : إن وجوده الواقعي يتوقف على العلم بالموضوع والحكم فان ذلك ضروري البطلان ، بداهة أن الحكم الظاهري من الطريقية والحجية كالحكم الواقعي من الوجوب والحرمة لا