وأمّا السيرة : فهي عبارة عن عمل المسلمين بما أنهم مسلمون وملتزمون بأحكام الشريعة ، ولا إشكال في كشفها عن رضاء صاحب الشريعة إذا علم استمرارها إلى ذلك الزمان ، إذ من المستبعد جدا بل من المحال عادة استقرار سيرة المسلمين واستمرار عملهم على الشيء من عند أنفسهم من دون أن يكون ذلك بأمر الشارع ودستوره ، ولو سلم أنه يمكن تحقق السيرة بلا أمر منه ، فلا أقل من أنها تكشف عن رضاه ، وإلا كان عليه الردع إظهارا للحق وإزاحة للباطل.
نعم : يعتبر في حجية السيرة أن تكون من الملتزمين بالشريعة والمتدينين بها ، فلا عبرة بسيرة العوام الذين لا يبالون بمخالفة آداب الشريعة ويصغون إلى كل ناعق ، لوضوح أن سيرتهم لا تكشف عن رضا المعصوم ، لعدم ارتداعهم بردعه.
وأمّا طريقة العقلاء : (١) فهي عبارة عن استمرار عمل العقلاء بما هم عقلاء على شيء سواء انتحلوا إلى ملة ودين أو لم ينتحلوا ، ومنهم المسلمون ، وسواء كان ما استمرت عليه طريقتهم من المسائل الأصولية أو من المسائل الفقهية ، وقد يعبر عن الطريقة العقلائية ببناء العرف ، والمراد منه العرف العام ، كما يقال : إن بناء العرف في المعاملة الكذائية على كذا ، وليس بناء العرف شيئا يقابل الطريقة العقلائية ، ولا إشكال أيضا في اعتبار الطريقة العقلائية وصحة التمسك بها ، فان مبدأ الطريقة العقلائية لا يخلو : إما أن يكون لقهر قاهر وجبر سلطان جائر قهر جميع عقلاء عصره على تلك الطريقة واتخذها العقلاء في الزمان المتأخر طريقة لهم واستمرت إلى أن صارت من مرتكزاتهم ، وإما أن يكون مبدئها أمر نبي من الأنبياء بها في عصر حتى استمرت ، وإما أن
________________________
١ ـ أقول : قد نقحنا المقام في طي كلامه في تقريب الآيات الناهية للمنع عن العمل بالظن في أول المسألة ، فراجع.