وأمّا ما أفاده قدسسره ثانيا : من أن حرمة التعبد بالأمارة كما يكون أثرا للشك في حجيتها كذلك يكون أثرا لعدم حجيتها واقعا ، ففي ظرف الشك يجرى كل من الاستصحاب والقاعدة المضروبة له ، ويقدم الاستصحاب لحكومته عليها.
ففيه : أنه لا يعقل أن يكون الشك في الواقع موضوعا للأثر في عرض الواقع (١) مع أنه على هذا الفرض لا يجرى الاستصحاب أيضا ، لأن الأثر
________________________
بأحدهما ـ للزوم اللغوية أو غير ذلك ـ دون التعبد بالآخر *.
وقد يختلج في البال أيضا : أن ذلك يقتضي عدم جواز قيام الأمارة المعتبرة على عدم حجية أمارة ، فان المجعول في باب الأمارات وإن لم يكن هو البناء العملي بل نفس الوسطية في الإثبات ، إلا أنه لابد وأن يترتب على مؤدى الأمارة أثر عملي ولو بألف واسطة ليصح التعبد بها ، والمفروض أنه لا يترتب على عدم الحجية الواقعية أثر عملي ، بل الأثر مترتب على نفس عدم العلم بالحجية ، وهو حاصل قبل قيام الإمارة المعتبرة على ذلك.
ولا يدفع هذا الإشكال مجرد كون الأمارة مثبتة لمؤداها الواقعي ، لأن المفروض أن المؤدى ليس موضوعا للأثر ، فحال الأمارة القائمة على عدم حجية أمارة كحال الأمارة القائمة على موضوع لم يترتب عليه أثر عملي أصلا ولو بألف واسطة.
ولا يقال : إنه بعد قيام الأمارة على عدم حجية يحصل العلم بعدم الحجية والعلم بعدم الحجية كالشك فيها يكون موضوعا لأثر حرمة التعبد ، فان العلم بعدم الحجية إنما يحصل بعد قيام الأمارة والتعبد بها ، والمفروض أنه في المرتبة السابقة على قيام الأمارة تحقق موضوع الأثر ، فلا يكون مجالا للتعبد فيها ، فتأمل جيدا ( منه ).
* ـ أقول : لو كان أثر الحجية منحصرا بجواز التعبد ، لا شبهة في أن هذا الجواز منوط بالعلم بها ، فقبل العلم يحرم التعبد به بمقتضى كلامه ، وحينئذ يتوقف الأثر على الاستصحاب كي يوجب له العلم بالحجية ، والاستصحاب أيضا ينوط بهذا الأثر ، ، فيدور ، وحينئذ لا يرفع هذه الغائلة إلا بدعوى كفاية اقتضاء الأثر في المستصحب بلا احتياج إلى فعليته ، ولازمه حينئذ كفاية نفي المقتضى في طرف استصحاب عدمه بلا احتياج إلى أثر آخر ، كما هو في استصحاب الوجوب ونفيه ـ على ما أسلفناه ـ ومن هذا البيان ظهر أيضا وجه جريان الأمارة على عدم الحجية ، شكر الله سعيه في هذا التعب العظيم!.
١ ـ أقول إذا فرض كون الواقع مقتضيا لشئ والشك به مانعا عن ترتبه ، نظير وجوب الامتثال بالنسبة إلى الوجوب وأمثاله ، فهل لك محيص من الالتزام بنفي الأثر المترتب على الأعم من عدم المقتضى ووجود المانع؟ وفي المقام « استاذنا » لا يريد إلا هذا ، فلا ترمه بعدم المعقولية.
ثم بعد تسليم مدعاه ليس لك أن تنكر الاستصحاب ، لأن ترتب الأثر على الشك في عرض ترتب الاستصحاب عليه ، وبعد ذلك نقول ، إن الأمر يدور في تطبيق الاستصحاب أو تطبيق كبرى هذا الأثر بين