عليها أثر عملي ، من غير فرق في ذلك بين الأصول الموضوعية والحكمية ، فان الأصول إنما تكون وظائف عملية ، لما عرفت آنفا : من أن المجعول فيها هو الجري العملي ، وبذلك تمتاز الأصول من الأمارات ، فان الأمارة تقتضي الثبوت الواقعي ولا يتوقف التعبد بها على أن يكون المؤدى مما يقتضي الجري العملي ، بل يكفي في التعبد بها أن يترتب عليها أثر عملي ولو بألف واسطة لكي لا يلزم اللغوية ، فلا مانع من قيام الأمارة على عدم الحجية بعد ما كان مفادها عدم الثبوت الواقعي.
وبالجملة : لا يعقل أن يجرى الأصل من دون أن يقتضي الجري والبناء العملي ، ولما كانت الأصول الحكمية بنفسها تقتضي الجري العملي على طبق المؤدى كان الأصل جاريا بلا حاجة إلى أن يكون أثر عملي وراء المؤدى ، وإلا فلو فرض أصل حكمي لا يقتضي الجري العملي فلا يكاد يجرى ، لعدم
________________________
في ظرف العلم به ، بلا واسطة أو بواسطة أثر شرعي ، نظير الوجوب الذي هو مقتضى للعمل ولو في ظرف العلم به ، كما أن نفيه موجب لنفي العمل المستند إلى عدم المقتضى ، وهذا المعنى موجود في الحجية المجعولة ، بملاحظة كونها موضوعا لحكم العقل بموافقتها عند العلم به ، وعدم وجوبه عند عدمها لعدم المقتضى ، وليس أثرها ممحضا بخصوص حرمة التعبد بمؤداه كي يختص ذلك بحال شكه وكان من تبعات نفس الشك به ، كيف! وقد قلنا بأن حرمة التعبد ليس من لوازم عدم الحجية ، وإن كان جوازه من لوازم حجيته ، وحينئذ لا يبقى مجال لمثل هذا التعب في رد هذا القائل خصوصا في إلزامه بأن عدم الحجية يقتضي الرخصة ، مع أنه ليس كذلك ، لأن الأحكام بأسرها مضادة ، وليس نقيض كل عين الآخر ، ولا يقتضي أيضا إثباته بدليل التعبد الذي هو مفاد الأصل ، لعدم حجية مثبتات الأصول ، فلا يكون نتيجة استصحاب عدم الوجوب إلا رخصة العقل لترك العمل بنفس شكه من جهة قبح العقاب بلا بيان ، وحينئذ كيف يكون استصحاب العدم حاكما على قبح العقاب بلا بيان ، بل لازم كلامه كون المورد مجرى القاعدة ، لا مجرى الاستصحاب ، إلا بناء على حجية مثبته من إثبات الرخصة الشرعية ، وهو كما ترى! وحينئذ ما تقول في استصحاب عدم الوجوب نقول به في استصحاب عدم الحجية.
ولعمري! ان عمدة ما أوقعه في هذا المحذور تخيل أن أثر عدم الحجية منحصر لجهة التعبد بمؤداه الذي مترتب في فرضه على نفس الشك ، وهو أول شيء ينكر! بل عمدة أثر عدم الحجية عدم حكم العقل بلزوم موافقته ، لعدم المقتضى ـ نظير حكمه بعدم لزوم العمل والامتثال في صورة عدم وجوبه ـ وأن مصحح جريان الاستصحاب في المقامين متساويان ، فتدبر ، ولا تبادر بالإشكال على الأساطين!.