لأنّ أهمية ذلك أوجب الاحتياط ، فلا يمكن أن يبقى وجوب الاحتياط في مورد الشك مع عدم كون المشكوك مما يجب حفظ نفسه ، ولكن لما كان المكلف لم يعلم كون المشكوك مما يجب حفظ نفسه أو لا يجب؟ كان اللازم عليه هو الاحتياط تحرزا عن أن يكون المشكوك مما يجب حفظ نفسه فيقع في مخالفة الحكم الواقعي. ومن ذلك يظهر : أنه لا مضادة بين ايجاب الاحتياط وبين الحكم الواقعي ، فان المشتبه إن كان مما يجب حفظ نفسه واقعا فوجوب الاحتياط يتحد مع الوجوب الواقعي ويكون هو هو ، وإن لم يكن المشتبه مما يجب حفظ نفسه فلا يجب الاحتياط ، لانتفاء علته ، وإنما المكلف يتخيل وجوبه لعدم علمه بحال المشتبه ، فوجوب الاحتياط من هذه الجهة يشبه الوجوب المقدمي ، وإن كان من جهة أخرى يغايره. والحاصل : أنه لما كان ايجاب الاحتياط متمما للجعل الأولى من وجوب حفظ نفس المؤمن ، فوجوبه يدور مدار الوجوب الواقعي ، ولا يعقل بقاء المتمم ( بالكسر ) مع عدم وجود المتمم ( بالفتح ) فإذا كان وجوب الاحتياط يدور مدار الوجوب الواقعي فلا يعقل أن يقع بينهما التضاد ، لاتحادهما في مورد
________________________
الواقع كان الواقع ملازما مع البيان للواقع ، ومع هذا الاحتمال لا يبقى مجال لحكم العقل بقبح العقاب ، إذ موضوعه صورة الجزم بعدم البيان ، وحينئذ فشأن الأوامر الطريقية رفع موضوع حكم العقل ، فيكون واردا عليه.
فان قلت : إنه في ظرف وجود الواقع نقطع بوجوده ، ولو كان هذا المقدار من البيان الاحتمالي كافيا ، يلزم عدم جريان القاعدة في كل تكليف مشكوك ولو لم يكن في البين جعل طريق ، وهو كما ترى.
قلت : لا يخفى أن العلم بوجود الواقع في ظرف وجود المشكوك لا يكون منوطا بوجود الواقع خارجا كي يصير مشكوكا ، بل العلم الفعلي الوجداني ينوط بوجود الواقع لحاظا ، فلا يتصور في مثله الجهل بوجود العلم ، كي يكون المورد من باب احتمال البيان ، بل العلم الوجداني منوط بوجود المشكوك لحاظا حاصل فعلا ، ومثل هذا العلم لا يكون لدى العقل بيانا أصلا ، ففي مورده نقطع بعدم البيان ، بخلاف الأوامر الطريقية ، حيث إن بيانيته منوط بوجود الواقع خارجا ، فكان البيان فيه مشكوكا ، بخلاف فرض العلم ، كما لا يخفى.