في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي إنما هو بعد تحقق موضوع الحكم الواقعي (١) بجميع ما اعتبر فيه من القيود.
ولا يعقل أن يقيد فعلية الحكم بعدم قيام الأمارة على الخلاف ، فان أخذ ذلك قيدا إنما يمكن في مرحلة إنشاء الحكم وتشريعه ، بمعنى أنه ينشأ الحكم على ما لا تقوم الأمارة على الخلاف (٢) فيكون الموضوع الذي قامت الأمارة على خلافه مما لم ينشأ في حقه حكم ، وهذا عين التصويب.
فظهر : أنه لا معنى لحمل الحكم الواقعي على الإنشائي ، لأنه ليس لنا في الواقع حكم إنشائي في مقابل الحكم الفعلي ، بل الذي يكون هو إنشاء الحكم على موضوعه ، فعند تحقق ذلك الموضوع يكون الحكم فعليا لا محالة ، ومع عدم تحققه لا يكون في الواقع حكم أصلا (٣) فلو فرض أن وجوب الحج قيد في الواقع بمن لم تقم عنده الأمارة على الخلاف ، فالذي قامت عنده الأمارة على الخلاف لم يكلف بالحج ولم ينشأ في حقه التكليف بالحج ، ويكون حاله حال غير البالغ أو غير المستطيع.
وبالجملة : في مورد قيام الأمارة على الخلاف ، إما أن يكون الموضوع للحكم الواقعي متحققا ، وإما أن لا يكون ، وعلى الأول : يلزم الفعلية ويعود إشكال التضاد. وعلى الثاني : لا حكم في الواقع حتى نحتاج إلى الجواب ، مع أن الذي تقتضيه أصول المخطئة : هو أن الأحكام الواقعية بما هي عليها من المصالح مشتركة بين العالم والجاهل ، والجهل إنما يكون عذرا فقط في ما إذا لم
________________________
١ ـ يمكن أن يقال : إن فرض تحقق الموضوع إنما نحتاج إليه في الشبهات الموضوعية ، وأما الشبهات الحكمية فالتضاد بين الحكمين حاصل ولو لم يتحقق الموضوع خارجا ( منه ).
٢ ـ أقول : بل ينشئ القانون حتى على من قامت الأمارة على خلافه ، ولكن لا يكون حينئذ موقع إجرائه ، وإن هذا المقدار لا يوجب سلب الحكمية عنه مطلقا.
٣ ـ أقول : كيف لا يكون حكم أصلا مع أن العقلاء يرتبون بمرتبة جعل القانون أثر وجود الحكم ببعض مراتبه وإن لم يكن تاما إلا بضم مصلحة إجرائه به ، كما لا يخفى.