استثناء مفرغ متصل ، كما صرّح به ابن الحاجب وغيره ...
ولا ريب في جواز شدّ الرّحال إلى غير هذه المساجد ...
ولذا أعضل معنى هذا الحديث على كبار المحققين ، ولجأوا إلى تأويله على بعض الوجوه ... لئلاً يلزم منه حرمة السّفر إلى غير تلك المساجد من المساجد والمشاهد ...
قال ولي الدين أبو زرعة العراقي في ( شرح تقريب الأسانيد ) : « ويدل على أنّه ليس المراد إلاّ اختصاص هذه المساجد بفضل الصلاة فيها ، وأنّ ذلك لم يرد في سائر الأسفار : قوله في حديث أبي سعيد المتقدم : لا ينبغي للمصلّي أنْ تشد رحاله إلى مسجدٍ يبتغى فيه الصلاة غير كذا وكذا. فبيّن أنّ المراد شدّ الرحال إلى مسجدٍ يبتغى فيه الصّلاة ، لا كلّ سفر ، والله أعلم ».
وقد ألف بعض أعلامهم في خصوص تأويل هذا الحديث رسالة خاصة سمّاها : « منتهى المقال في شرح حديث شدّ الرحال ).
وتلخص : أنّ خروج بعض أفراد المستثنى منه بدلالة دليلٍ أو قيام قرينةٍ لا يستلزم الإنقطاع في الإستثناء ...
(٨) قال الله عزوجل : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) (١).
في هذه الآية استثناء ، وهو استثناء متصل بلا ريب ، والحال أنّ الأشياء المحرّمة غير ما ذكر فيها كثيرة ، فكما أنّ خروج الأشياء الأخرى من تحت
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ ، الآية ١٤٥.