إنّها إمّا أن تكون في حياته أو بعد مماته ، فخرج بعد مماته ، لأن هارون مات قبل موسى ، فتعيَّن أنْ تكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك ، كمسير موسى إلى مناجاة ربه » (١).
وقال محبّ الدين الطبري :
« الجواب عنه من وجهين :
الأول : يقول : هذا عدول عن ظاهر ما تعلق به لسان الحال والمقال ، فإنّه صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي تلك المقالة حين استخلفه لمّا توجّه إلى غزوة تبوك على ما يتضح إنْ شاء الله تعالى في آخر هذا الكلام ، وذلك استخلاف حال الحياة ، فلمّا رآى تألّمه بسبب التخلّف ، إما أسفاً على الجهاد أو بسبب ما عرض من أذى المنافقين على ما سنبيّنه إن شاء الله تعالى ، قال له تلك المقالة ايذاناً له بعلوّ مكاننهُ منه وشرف منزلته التي أقامه فيها مقام نفسه. فالتنظير بينه وبين هارون إنما كان في استخلاف موسى له ، منضمّاً إلى الأخوة وشدّ الأزر والعضد به ، وكان ذلك كلّه حال الحياة ، مع قيام موسى فيما استخلفه فيه ، يشهد بذلك صورة الحال ، فليكن الحكم في علي كذلك ، منضماً إلى ما يثبت له من أخوة النبي صلّى الله عليه وسلّم وشدّ أزره وعضده به ، غير أنّه لم يشاركه في أمر النبوة ، كما شاركه هارون لم ترد موسى ، فلذلك قال صلّى الله عليه وسلّم : إلاّ أنه لا نبي بعدي. أي بعد بعثتي.
هذا على سبيل التنظير ، ولا إشعار في ذلك بما بعد الوفاة لا بنفي ولا بإثبات.
__________________
(١) إرشاد الساري في شرح البخاري ٦ / ٤٥١.