فإن قلت : إذا سقط قصد التعيين لعدم التمكّن فبأيّهما ينوي الوجوب والقربة؟.
قلت : له في ذلك طريقان :
____________________________________
إذا عرفت هذا فنقول : إنّ مراد المحقّق المزبور ـ إنّ الامتثال التفصيلي بمعنى العلم بكون المأتي به مأمورا به حين الإتيان ـ معتبر في العبادات ، بل ظاهر بعض أنّه اتّفاقي ، ولازم ذلك سقوط العبادة في المقام رأسا ، لما عرفت من أنّ الأصل في الشرائط هو الركنيّة ، وحيث إنّ الامتثال التفصيلي شرط في العبادات ، فلازم ركنيّة انتفاء المشروط بعد فرض عدم التمكّن من شرطه ، إلّا أنّه لمّا قام الإجماع على حرمة ترك الكلّ ، فتعيّن إتيان أحد المحتملين تخييرا ، وإذا ثبت وجوب إتيان أحدهما تخييرا بالاجماع فيتمكّن المكلّف من قصد الامتثال التفصيلي ، كما في سائر موارد التخيير ، فيجب إتيانه بخلاف ما لو بنى على الاحتياط ، فلا معنى لما ذكره المصنّف قدسسره من أنّ سقوط قصد التعيين إنّما هو حاصل بمجرّد التردّد والإجمال.
والتحقيق : إنّ أمثال هذه الشروط على تقدير شرطيّتها ليست كسائر الشروط الشرعيّة لكي ينفع إطلاق الأدلّة فيها ، أو قاعدة أنّ الأصل فيها هو الركنيّة ، بل هي من الشروط العقليّة ، ولا يتصوّر في حكم العقل شكّ ، بل هو حاكم بأحد الطرفين من الركنيّة وغيرها.
والحقّ أنّ الامتثال التفصيلي شرط في تحقّق العبادة وصدق الإطاعة في حال التمكّن ، وأمّا مع عدمه فلا لتحقّق الامتثال بإتيان شيئين يقطع بكون أحدهما مأمورا به ، بل هو من أكمل أفراد الإطاعة حينئذ ، وممّا ذكر ظهر ما في كلام المصنّف رحمهالله الآتي في قوله : (مضافا إلى أنّ غاية ما يلزم من ذلك عدم التمكّن من تمام الاحتياط ... إلى آخره) ، لأنّ الامتثال التفصيلي ونيّة القربة إن كان شرطا اختياريّا ، فالمتعيّن في حال العجز سقوطه خاصّة ، وإن كان شرطا مطلقا كان المتعيّن سقوط المشروط ، وعلى التقديرين لا وجه للدوران». انتهى.
(فإن قلت : إذا سقط قصد التعيين لعدم التمكّن فبأيّهما ينوي الوجوب والقربة؟).
أي : إذا سقط قصد تعيين ما هو المأمور به في الواقع بعد عدم تمكّن المكلّف منه ، فيكون عدم سقوطه وبقاء اعتباره في العبادة مستلزما للتكليف بما لا يطاق ، إلّا أنّ اعتبار قصد القربة في العبادة يقتضي أن يقصد التقرّب ، فبأيّهما ينوي ويقصد القربة؟.
(قلت : له في ذلك طريقان :).