وقد يتحقّق الاعتبار والمعتبر بعد موقوف على شيء آخر كالوصيّة ، فإنّ اعتبار ملكيّة الوصيّ للمال الموصى له به متحقّق فعلا ، إلّا أنّ المعتبر وهو الملكيّة لا تحصل إلّا بعد موته الذي يتأخّر عن الوصيّة عشر سنين مثلا ، فالأوّل مثال الواجب المطلق ، والثاني مثال المعلّق ، والثالث مثال المشروط. وبما أنّ الوجوب عبارة عن الاعتبار ـ كما ذكرنا ـ فجواز هذه الامور الاعتباريّة تقتضي جوازه أيضا ، فافهم.
ثمّ إنّه قد ذكر الميرزا النائيني قدسسره وجها ثالثا لرجوع القيد (١) فإنّه بعد أن ذكر أنّ رجوع القيد إلى المادّة خلاف ظاهر الجملة التعليقيّة ، ورجوعه إلى الهيئة محال ـ لكونها جزئيّات أو لكونها غير ملحوظة استقلالا ـ زعم أنّ القيد راجع إلى المادّة المنتسبة ، بدعوى أنّ الجملة الشرطيّة إنّما وضعت لتعليق جملة على جملة ، فنتيجة الجملة يكون هو المعلّق ، فالقيد راجع إلى نتيجة الجملة.
والجواب عمّا ذكره قدسسره : أنّ تعليق مفاد المادّة المنتسبة ليس أمرا آخر غير تعليق الوجوب ، فإنّ قولنا : «صلّ» لها عبارتان ، فتارة نقول : مفادها وجوب الصلاة ، واخرى نقول : مفادها اتّصاف الصلاة بالوجوب ، فليس ما ذكره إلّا تغييرا للعبارة ، ضرورة كون القائل برجوع القيد إلى الوجوب إنّما يقول برجوعه إلى الوجوب المنتسب إلى الصلاة في مثل «إذا زالت الشمس فصلّ» مثلا ، لا إلى الوجوب المنتسب لأمر آخر ، فإنّ ذلك لا يعقل أن يصدر من أحد.
وثانيا : أنّ مفاد الجملة إنّما هو مفاد المادّة والهيئة معا ، فإذا لم يجز رجوع القيد إلى الهيئة نفسها فكيف يجوز رجوعه إلى معنى مشتمل على معنى الهيئة. وبالجملة ، فظاهر كلامه قدسسره لا محصّل له.
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ١٩٣ ـ ١٩٤.