الثاني : أنّ ما ورد من الحديث القدسي من قوله مضمونا : «إنّ مشيئة العبد بمشيئة الله تعالى ، فالله أولى بحسنات العبد منه والعبد أولى بسيّئاته من الله» (١) فإنّ هذا الحديث القدسي بظاهره ربما يورد عليه : أنّه إن كان العمل لله فلا أولوية وإن كان للعبد فلا أولويّة وإن كان أمرا بين الأمرين فلا أولويّة أيضا ، فما معنى هذه الأولويّة المثبتة؟
والجواب : أنّ ما ذكروا وإن كان صحيحا دقّة ، إلّا أنّ العرف يفرّق في ذلك بين السيّئات والحسنات ، بيان ذلك يتّضح بمثال عرفي نذكره لك : لو أنّ مولى سلّم إلى عبده مالا وأرشده إلى طريق التجارة وحذّره من القمار وما يتلف المال ، فذهب العبد فتاجر بتلك الأموال فربح ربحا عظيما ، فإنّه يقال : إنّ هذا الربح ببركة مولاه العرفي الذي أرشده ودفع إليه المال ، فهو أولى بأن ينسب إليه العمل من نفس العبد. ولو أنّ العبد لعب بها قمارا وكان المولى يعلم ذلك مع ذلك ينسب اللوم إلى ذلك العبد فيكون أولى بسيّئاته عرفا من سيده. وهكذا في الله تعالى عينا حرفا بحرف ، بل أولى كما لا يخفى على اولي البصائر ؛ إذ جميع النعم من الله ، بخلاف المولى العرفي ، فافهم.
بقي الكلام في معنى روايتين :
إحداهما : «الناس معادن كمعادن الذهب» وقد رواها الصدوق قدسسره في توحيده (٢). والظاهر من معناها : أنّ الناس يختلفون في القرب إلى المعاصي والبعد عنها ، فمن تربّى في دار لا يرى فيها غير الطاعات الصادرة من أبويه الصالحين أقرب إلى الطاعة ممّن تربّى في دار لا يرى فيها غير الفسق والفجور ، فإنّه أقرب إلى الفسق والفجور من الأولى ، وهذا أمر معلوم بالوجدان وليس له مدخليّة في كون الفعل الذي يفعله مجبورا عليه.
__________________
(١) الكافي ١ : ٢٥٢ ، الحديث ٦ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ١٤٣ ، الحديث ٤٦.
(٢) لم نعثر عليه في التوحيد نعم رواها في الفقيه ٤ : ٣٨٠ ، الرقم ٥٨٢١.