الصانع لا تحقّق تلك النسبة في الخارج وإنّما يستفاد منه كونه في صدد الإخبار بذلك فيحكم بكفره مثلا ، فإذا أنشأ الجملة الإنشائيّة فإنّما يدلّ إنشاؤه على كونه بصدد إخباره عن نفسه أنّه اعتبر الشيء الفلاني على ذمّة المكلّف.
نعم ، فرق بين الإخبار والإنشاء ، وهو كون الإخبار له متعلّق خارجي يتّصف بالصدق والكذب بلحاظه ، أمّا هذا فليس وراء ما في النفس شيء أصلا ، فإذا كان الإنشاء إخبارا عمّا في نفسه وقد قدّمنا ، أنّ الوجوب هو اعتبار شيء في ذمّة المكلّف ، فإذا أنشأ فقد أبرز ذلك الاعتبار النفساني (*) ومعلوم أنّ الاعتبار ـ يعني اعتبار كون شيء على ذمّة المكلّف ـ قد يكون مطلقا على جميع التقادير ، وقد يكون معلّقا على تقدير كالإخبار. وتخلّف الاعتبار عن المعتبر ليس محالا ، بل هو كتخلّف التصوّر عن المتصوّر ، وهو أمر ممكن ؛ إذ يجوز أن يتصوّر الإنسان الآن ذهابه إلى مكّة بعد شهر مثلا.
وإذا أردت توضيح ذلك فلننظر لكلّ من الواجب المطلق والمعلّق والمشروط مثالا اعتباريّا عقلائيّا ، فإنّ زيدا ـ مثلا ـ قد يملّك عمرا داره فعلا بهبته إيّاه ، فالملكيّة التي هي أمر اعتباري اعتبرت الآن ، فالدالّ على الاعتبار هو الهبة وهي موجودة بالفعل ، والمدلول أيضا وهو الملكيّة أيضا موجودة ، والدلالة وهي اعتبار هذا الواهب أيضا موجود بالفعل. وقد يملّك زيد عمرا منفعة داره بعد سنة كما لو آجرها إيّاه بعد سنة ، فالاعتبار لملكه المنفعة بعد سنة موجود بالفعل ، والمعتبر وهي الملكيّة لها أيضا موجودة بالفعل ؛ ولذا لو مات عمرو انتقلت منفعة الدار إلى وارثه وإن كان زمن الملكيّة متأخّرا.
__________________
(*) فإذا قال المولى : «صلّ» مثلا ، فقد أبرز اعتبار الصلاة على ذمّة المكلّف فالإبراز فعلي ، والاعتبار فعلي ، لكن متعلّق الاعتبار ـ وهو لزوم شيء على ذمّة المكلّف ـ قد يكون مطلقا كما في المثال ، وقد يكون معلّقا كما في : حجّ إن استطعت.