سألتني عن سوء نظرك العذاب لهم عند قلّة الصّبر منك ، وعبدي نوح كان أصبر منك على قومه ، وأحسن صحبة ، وأشدّ تأنّيا في الصّبر عندي ، وأبلغ في العذر ، فغضبت له حين غضب لي ، وأجبته حين دعاني.
فقال يونس : يا ربّ ، إنّما غضبت عليهم فيك ، وإنّما دعوت عليهم حين عصوك ، فوعزّتك لا أتعطّف عليهم برأفة أبدا ، ولا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم وتكذيبهم إيّاي ، وجحدهم نبوّتي ، فأنزل عليهم عذابك ، فإنّهم لا يؤمنون أبدا.
فقال الله : يا يونس ، إنّهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي ، يعمرون بلادي ، ويلدون عبادي ، ومحبّتي أن أتأنّاهم للذي سبق من علمي فيهم وفيك ، وتقديري وتدبيري غير علمك وتقديرك ، وأنت المرسل وأنا الربّ الحكيم ، وعلمي فيهم ـ يا يونس ـ باطن في الغيب عندي لا يعلم ما منتهاه ، وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له. يا يونس ، قد أجبتك إلى ما سألت من إنزال العذاب عليهم ، وما ذلك ـ يا يونس ـ بأوفر لحظّك عندي ، ولا أحمد لشأنك ، وسيأتيهم العذاب في شوّال يوم الأربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس ، فأعلمهم ذلك».
قال : «فسرّ ذلك يونس ولم يسؤه ، ولم يدر ما عاقبته ، فانطلق يونس إلى تنوخا العابد ، فأخبره بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم ، وقال له : انطلق حتى أعلمهم بما أوحى الله إليّ من نزول العذاب.
فقال تنوخا : فدعهم في غمرتهم ومعصيتهم حتى يعذّبهم الله تعالى.
فقال له يونس : بل نلقى روبيل فنشاوره ، فإنّه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوّة ، فانطلقا إلى روبيل ، فأخبره يونس بما أوحى الله إليه من نزول