الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، ويحسبونه هيّنا وهو عند الله عظيم ، لكثرة أذاهم غير مرّة حتى سمّوني أذنا ، وزعموا أنّه لكثرة ملازمتي إيّاه وإقبالي عليه حتى أنزل الله في ذلك : (الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) ، فقال : (قُلْ أُذُنُ) على الذين تزعمون أنه أذن (خَيْرٍ لَكُمْ) إلى آخر الآية. ولو شئت أن أسمّي القائلين بأسمائهم ، لسمّيت وأومأت [إليهم] بأعيانهم ، ولو شئت أن أدلّ عليهم لدللت ، ولكنّي في أمرهم قد تكرّمت ، وكلّ ذلك لا يرضي الله منّي إلا أن أبلّغ ما أنزل إليّ ، فقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في عليّ (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(١)» (٢).
٢ ـ سبب النزول : قال علي بن إبراهيم : كان سبب نزولها أن عبد الله بن نفيل كان منافقا ، وكان يقعد لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين ، وينمّ عليه ، فنزل جبرئيل عليهالسلام على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا محمّد ، إنّ رجلا من المنافقين ينمّ [عليك] ، وينقل حديثك إلى المنافقين. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من هو؟».
فقال : يا رسول الله ، الرّجل الأسود الوجه ، الكثير شعر الرأس ، ينظر بعينين كأنهما قدران ، وينطق بلسان شيطان. فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبره فحلف أنه لم يفعل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «قد قبلت منك ، فلا تفعل».
فرجع إلى أصحابه ، فقال : إنّ محمدا أذن ، أخبره الله أني أنمّ عليه ، وأنقل أخباره فقبل. وأخبرته أنّي لم أفعل ذلك فقبل ، فأنزل الله على نبيّه (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ
__________________
(١) المائدة : ٦٧.
(٢) روضة الواعظين : ص ٩٢.