الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ) : «أما الخمر فكلّ مسكر من الشّراب إذ أخمر ، فهو خمر ، وما أسكر كثيره فقليله حرام ، وذلك أنّ أبا بكر (١) شرب قبل أن يحرّم الخمر ، فسكر فجعل يقول الشّعر ، ويبكي على قتلى المشركين من أهل بدر ، فسمعه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : اللهمّ أمسك على لسانه. فأمسك على لسانه ، فلم يتكلّم ، حتى ذهب عنه السّكر ، فأنزل الله تحريمها بعد ذلك ، وإنّما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البسر (٢) والتمر ، فلمّا نزل تحريمها خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقعد في المسجد ، ثمّ دعا بأنيتهم الّتي كانوا ينبذون فيها ، فأكفأها كلّها ، ثمّ قال : هذه كلّها خمر ، وقد حرّمها الله ، فكان أكثر شيء أكفىء من ذلك يومئذ من الأشربة الفضيخ ، ولا أعلم أكفىء
__________________
(١) قال الزمخشري في (ربيع الأبرار) : أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [البقرة : ٢١٩] فكان المسلمون بين شارب وتارك إلى أن شربها رجل ، فدخل في الصلاة فهجر ، فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣].
فشربها من شرب من المسلمين ، حتّى شربها عمر ، فأخذ لحى بعير ، فشجّ رأس عبد الرحمن بن عوف ، ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يغوث ـ يعفر ـ.
وكائن بالقليب قلبب بدر |
|
من الفتيان والشّرب والكرام |
وكائن بالقليب قليب بدر |
|
من الشيزى المكلل بالسّنام |
أيوعدنا ابن كبشة أن سخيا |
|
وكيف حياة أصداء وهام! |
أيعجز أن يد الموت عنّي |
|
وبشرني إذا بليت عظامي! |
ألا من مبلغ الرحمن عني |
|
بأنّي تارك شهر الصّيام |
فقل لله بمنعي شرابي |
|
وقل لله بمنعي طعامي |
فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فخرج مغضبا يجرّ رداءه ، فرفع شيئا كان في يده ليضربه ، فقال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، فأنزل الله سبحانه وتعالى : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ) إلى قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فقال عمر : انتهينا. (ربيع الأبرار : ج ٤ ، ص ٥١).
(٢) الفضيخ : عصير العنب ، وهو أيضا شراب يتخذ من البسر المفضوخ وحده من غير أن تمسه النار. والبسر : التمر قبل أن يترطب لفضاضته.